يصعب علينا حقيقة أن نصادر الحزن الذي بداخلنا ومنتخبنا النسوي يصل لرأس العين ولا يشرب بالقدر الذي يحقق له الإرتواء التاريخي من النبع الذهبي.
مؤلم بالفعل أن تكون لبؤات الأطلس قد جابت بشجاعة غير مسبوقة الأحراش والأدغال، من دون أن تقفن شامخات فوق أعلى منصات التتويج، وقد وضعت على صدورهن قلادة البطلات، وهن للأمانة أهل لذلك. 
قد نندم كثيرا على أن لبؤاتنا كن بين أهلن وجماهيرهن، في لحظة سمو فني وإبهار تكتيكي، ولم يفلحن في أن تكون الثالثة لهن في كأس إفريقيا للأمم سيدات ثابتة، فعندما نستعرض مثلا سجل أبطال كأس إفريقيا للأمم ذكورا، ولا نجد للمغرب إلا رنة بطولة واحدة تعود لسنة 1976، نندم أكثر مما نتحسر، على أننا فوتنا فرصة تعزيز الرصيد في كثير من النسخ، وبخاصة في نسخ 1986بمصر و1988 بالمغرب و2004 بتونس.
لا نية لي إطلاقا في أن أنصب حائطا للبكاء والتشكي، أو حتى ان ألتمس لعدم اكتمال بزوغ هلال الفرح في سمائنا ما يرد على بالكم وبالي من أعذار، ولكنني سأقف مثلكم لأحيي هذا المنتخب النسوي الذي كان بالفعل ملحمة مغربية جديدة، كتبت بالعرق والإصرار والإعتزاز بالتمغربيت، وكان أيضا مثالا لما يمكن أن يصنعه المغاربة عندما يريدون، فهم إن أرادوا فعلوا، وإن فعلوا أبدعوا، وإن أبدعوا تردد صدى إبداعهم في كل مكان.
ولكي نقدر حق قدره، لقب الوصافة الذي نالته لبؤات الأطلس في المونديال الإفريقي، بوصولهن للنهائي وبإنجازهن التاريخي، المتمثل في وصولهن كأول منتخب عربي لكأس العالم، لكي نزن ما تحقق بميزان العدل والمنطق الذي لا يقبل لا لغوا ولا جدلا، يجب أن نسأل أنفسنا.. 
من أين جاء هذا المنتخب النسوي؟
وكيف أمكنه أن يطوي كل هاته المسافات، أن يمر من منتخب يمنى بالهزائم الثقيلة ويغادر صاغرا الدور الأول وأحيانا كثيرة الأدوار الإقصائية، إلى منتخب تصنفه النسخة 14 لكأس إفريقيا للأمم سيدات كثاني أفضل منتخب إفريقي بعد جنوب إفريقيا؟ 
عندما نتبين شساعة البون والفارق وخرافية الصعود لمنصة الكبيرات، ندرك بالفعل أن لقب الوصافة تاج على رأس هؤلاء اللبؤات، وندرك بالفعل أن لقب البطولة أقل من أن يكافئ هذه الملحمة الجميلة التي كتبت بأقدام سيدات المغرب في حضرة جمهور، أتى في أول الأمر داعما من باب المجاملة، وبعد ذلك كان يتوافد بالآلاف على مركب الأمير مولاي عبد الله ويتسمر بأعداد خرافية أمام شاشات التلفزة، ليشاهد منتخبا يبدع ويمتع ويسمع من شذى ألحانه حتى من بهم صمم.
جعلنا هذا المنتخب، نحفظ أسماء لاعباته كما نحفظ أسماء بناتنا، نحب لبؤاته كما نحب فلذات أكبادنا، نقول في نجماته شعرا وقد جلبن لنا الفخر والعزة والسعادة، من خديجة الرميشي إلى روزيلا أيان، مرورا بزينب الرضواني، حنان أيت الحاج، نسرين الشاد، ياسمين لمرابط، النقاش، أيمن سعود، غزلان شباك، فاطمة تاكناوت، سناء مسودي، سلمى أماني، سامية حساني ونجاة بدري، أسماء رنت في أسماعنا، فصارت لها في قلوبنا مسكنا وطاب لها العيش. 
من أين أتى هذا المنتخب؟ 
بالتأكيد من رؤية فاستراتيجية فخطة عمل، احترمت فيها كل قواعد الحكامة الجيدة، وقد غدا منذ ثلاث سنوات ورش كرة القدم النسوية يحظى بالأولوية في عمل الجامعة على غرار ورش كرة القدم داخل القاعة، وعلى غرار كل رافعات الصرح الكروي الوطني الذي ينشد الريادة ولن يريد عنها نزولا.
شكرا للبؤات الأطلس على كل لحظات السعادة التي أهديتنها لكل المغاربة، شكرا لكل من ساهم من قريب أو بعيد في كتابة هذه الملحمة الجميلة، شكرا لجماهيرنا الرائعة التي وثقت بهؤلاء البطلات فحملهن فوق الأكتاف وسرن معهن في موكب النصر.
ولا خلاف على أن الهدف الموالي، هو أن تكون للمنتخب الوطني المغربي وهو سفير فوق العادة لكل العرب، مشاركة مشرفة في المونديال، فلا يمكن أن نطلب منه مستحيلا وهو بالكاد يكتشف كأس العالم ويلاقي مدارس كروية أوروبية وأمريكية سبقتنا بسنوات في صناعة كرة نسوية مبهرة، وما بعد ذلك هدف أكبر، هو ألا يفوت المغرب كأسا إفريقية للسيدات من دون أن يدخلها منافسا على اللقب، وذاك رهان يحتاج لعمل قوي في العمق، عمل بلا هوادة، كان الله في العون.