لا نية لي على الإطلاق لمجادلة الإطار التقني وليد الركراكي فيما ذهب إليه مصرا وملحا وغير قابل لأي نقاش، بأن يغادر العارضة التقنية للوداد الرياضي بعد موسم خرافي، حقق خلاله وليد لقبا لعصبة الأبطال الإفريقية ولقبا للبطولة الإحترافية هو الثاني له بعد الأول له مع نادي الفتح الرياضي، وكان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الثلاثية التاريخية، لولا أن ضربات الحظ وقفت مانعا بينه وبين لقب كأس العرش..
لا أريد أن أصادر حق وليد في أن يقرر بشأن مساره التدريبي ما يريد، ولا أن أناقشه في خلفية قرار ستظهر بعد حين طبيعته القوية بل والخطيرة، لأن المنطق، منطق النجاح ومنطق السيرورة ومنطق التفكير في مزيد من الصعود نحو قمم أخرى، كان يفرض أن يواصل الركراكي المسير مع الوداد الرياضي، لأن بارقات نجاحات أخرى ظهرت بالفعل في الأفق، ووليد الذي حقق شبه معجزة بالظفر بأغلى لقبين في موسم كان فيه الوداد ممنوعا من الإنتدابات، كان بمقدوره أن يفعل ما هو أكثر، وقد انفرجت الوضعية ورفعت القيود وبات ممكنا أن ينتدب الوداد ما يحتاجه لكي يعوض الخصاص والغيابات المؤثرة لأشرف داري وللكونغولي الغوليادور غي مبينزا.
لست أدري من أي زاوية قرأ الركراكي المستقبل القريب، ولا في أي فنجان رأى ما يمكن أن ينتظره مع الوداد، إلا أنني كنت شخصيا أحبذ لو أن وليد واصل عمله مع الوداد ليستثمر في النجاحات الرياضية التي حققها بفكره واجتهاده وكاريزميته، ولكي يزيد في تقوية الإرث الذي اشتغل عليه، وقد وفق لحد بعيد في إكساب الوداد روح العائلة، وأن ينعم بهذا السلم الرياضي الذي شقي من أجل إشاعته داخل المستودع وفي محيط الوداد، حتى أجمع الوداديون كما الأرقام التي لا تكذب، على أنه كان بالفعل رجل المرحلة بل وباني هذا الصرح الجميل الذي انضاف للصروح التي بنتها أجيال ماضية.
سمعت، كما سمعتم أن وليد ما كان بهذا الإصرار في إنهاء مشواره مع الوداد، برغم ما كان من إلحاح ورجاء وتمنيات، إلا لأنه تلقى إشارة تجعل منه ناخبا وطنيا جديدا، بعد أن يئس المغاربة جميعهم من جدوى الإبقاء على البوسني وحيد خليلودزيتش مدربا لأسود الأطلس، وقد كنت سأكون من أول المرحبين، لثقتي الكاملة في أن وليد اختمر ونضج واشتد عوده التقني بما يكفي ليتحمل المسؤولية الثقيلة، لولا أن لا مؤشرات توجد حتى الآن تقول بأن وليد هو من سيقود الأسود في مونديال قطر، وإن لم يحدث ذلك اليوم، فبالقطع سيكون ذلك بعد أن ينفض مولد المونديال نهاية السنة الحالية.
غير هذا، لا يمكنني أن أصدق بأن وليد إختار الدخول في راحة بيولوجية ونفسية للتحرر من الضغوط النفسية الرهيبة التي لاحقته منذ أول يوم بات فيه مدربا للوداد، فالمدرب الكبير تصنعه المحن، والمدرب الكبير أشبه ما يكون بشقائق النعمان التي تولد من العتمة أو هو الشمعة التي تحترق لتضيء الطريق للآخرين، لذلك فالخروج بهكذا طريقة وفي هذا التوقيت بالذات لن يفيد وليد في شيء، لأن النجاحات التي حققها في ظلام المعاناة، إما أن غيره سيركب عليها ليصنع منها مجدا، وإما أنها ستتبخر في الهواء، وإن طلبها ذات يوم أعرضت عنه لأنه تركها وسط الطريق.
ومؤكد أيضا أن من سيعاني من هذا الخروج المستعجل لوليد الركراكي من قلعة الوداد، هو الوداد نفسه، فما كان الناصيري يريد وقد اهتدى لوليد ليصنع هذا الزمن الجميل، أن يجد نفسه اليوم في حمأة البحث عن ربان جديد، يستثمر في الإرث ويستديم النجاح في بيت الوداد ويراكم بشكل جميل على العمل الذي أنجزه وليد مع فتيته وفرسانه.
وأيا كانت جنسية هذا المدرب المبحوث عنه ليكون بديلا لوليد، فإن ما يجب أن يحضر في شروط الإختيار للربان القادم، شرط التطابق مع المرحلة، والمرحلة تقول إن الوداد ما زال جائعا للحصول على الألقاب، وهو من سيقبل في موسمه الجديد على 5 تحديات رياضية، كل واحد أثقل من الآخر في ميزان التميز، السوبر الإفريقي، كأس العالم للأندية، عصبة الأبطال الإفريقية، البطولة الإحترافية وكأس العرش.