كم من يد مددناها للجارة الجزائر، فما أعدناها إلى الجسد إلا وهي معضوضة ومقضومة؟
وكم من مرة استحينا وترفعنا عن الخوض في حرب الدناءة التي تشنها الجارة الشرقية علينا نهارا جهارا، كم من مرة لعنا الشيطان في إخوة لنا بإسم العقيدة والدين، وقلنا لأنفسنا، لا نفخ في رماد الخلاف حتى لا يصير عداوة، فاكتشفنا أننا كنا واهمين؟ 
وكم هي المناسبات التي ذكرنا فيها الجيران بأدبيات الجوار كما نص عليها ديننا الحنيف، وبروابط الدم المثبتة في سجلات التاريخ، ولا نلقى إزاء ذلك إلا الفجور والعصيان والمكابرة؟
أما فاض الكيل؟ أما بلغ السيل الزبى؟ أما آن الآن لأن نعامل بالمثل، من استوحش وتجبر وتمادى في التوحش لفظا وصنيعا ومعاملة؟
كنا نظن أن الرياضة ستظل بمنأى كامل عن الخلافات السياسية بين بلدين جارين، فلا يأبى حكام الجزائر إلا أن ينفخوا في رمادها لكي لا تخمد لها نار، فقد كانت الرياضة هي آخر قشة يمكن أن نتمسك بها لكي نعبر نهر التماسيح الذي صممه جنرالات الجار وأرادوه أن يجري دما، إلا أن ما حدث في نهائي كأس العرب للمنتخبات أقل من 17 سنة، وأشبال الأطلس وهم في عمر صغيرة جدا، ينكل بهم ويحشرون من دون أدنى وازع إنساني قبل الأخلاقي، في بؤرة متوحشة تستباح فيها الأعراض الرياضية من روح وأخلاق وقيم، قطع آخر خيط رفيع كنا نتمسك به جميعا لكي نعبر نحو فضاء أرحب، يستعيد بهجة الجوار وأصول التجاور وأخلاق الدين الذي هو أكبر رابط بين الشعبين، يرفع اليد الممدودة للخير ولا يقطعها.
ما حدث أمام مرأى من العالم، وما انتقل من مشاهد مقرفة للملايين في بلاد المعمور، يعتبر فضيحة وإدانة بل وجريمة لا يمكن أبدا السكوت عليها، لأن الساكت عن هذا الفجور والطغيان هو شيطان أخرس، فكيف استلذ المنظمون مشاهدة أطفال عزل من دون حماية، وقد تبخر في لحظة كل رجال حفظ الأمن، يهاجمون بشراسة وهمجية ووحشية، الدال عليها أن حكام الجزائر صوروا لأبنائهم ولشعبهم أن المغرب هو عدوهم الأول، إن انقطع عنهم الماء كان المغرب هو الفاعل، وإن جفت مراتعهم وما كان في حقولهم قطاف كان المغرب هو من دس لهم السم، وإن ما سلا قلبهم، كان المغرب مصدر تعاستهم، فكيف تريدون من يافعين تم حشو كل هذه السموم في عقولهم الصغيرة، أن يتصرفوا، وإذا كان هذا الذي فعلوه أمام حكامهم ولربما استحقوا عليه منهم التهنئة، وهم فائزون ومتوجون، فكيف كان سيكون الوضع لو أن أشبالنا هم من توجوا باللقب؟ حتما كنا سنستقبلهم جثتا هامدة.
لم أكن يوما بحكم ما جبلت عليه من أخلاق ملوك وتقاليد المغرب، من الدعاة للتفرقة وقطع خيوط وأواصر المحبة والنفخ في رماد الخلافات، ولكن ما كنت وكنتم وكان العالم كله شهودا عليه، في نهائي كأس العرب، يدعوني للقول بأن يكون للمغرب من اليوم توجه جديد، يعفي الإنسانية ويعفينا من كارثة أفدح من التي شاهدنا بوهران، المدينة التي يتعانق فيها المغاربة والجزائريون بروابط المصاهرة، فعندما تعمى عيون الجار عن رؤية الحقيقة وعندما لا يوقفه أي وازع لا أخلاقي ولا ديني ولا حتى سياسي، فمن الأجدر اتقاء شره، ومقاطعته رياضيا، فلا أحد يضمن أبدا ما سيشتعل من نيران في جوف مباريات رياضية قادمة، وقد تأكد للجميع أن حكام الجزائر أعلنوا علينا الحرب، حرب تخدير العقول وحرب توهيم الناس وحرب نصب المكائد، وهذه حروب ألعن وأفظع بل وأنكى بكثير من الحرب بشكلها التقليدي.