طبعا كان يليق بوليد الركراكي أن يتقلد منصب الناخب الوطني، فهو بإعمال ما شئتم من المعايير أهل لذلك، برغم أنه تقمص الدور الصعب في مسار أي مدرب في توقيت حرج للغاية والفريق الوطني يقف على بعد 90 يوما من كأس العالم، وما كان إجماعنا على أنه رجل المرحلة إلا لما رأيناه مجسدا في فكره وأسلوب اشتغاله وكاريزميته بل وقدرته على عبور جبال راسيات قممها عالية.
لكن بعد الذي شاهدناه في ودية الشيلي، ازداد يقيننا بسلامة الإختيار، بل وفاجأنا أن وليد لم يحتج لوقت طويل ليضع البصمة ويعيد اللحمة ويوجد النغمة التي كانت مفتقدة في أداء الفريق الوطني، وكأني به نفس ما كان يجثم على قلوب المغاربة من غمة.
سريعا دخل وليد لصميم الموضوع، لم يحتج لا لمقدمات ولا لتعليلات، أمسك بالملف الشائك، وتفحص جيدا أوراقه وقرأ بإمعان تفاصيله التي ترى ولا ترى بالعين المجردة، نظر إلى الأفق المونديالي القريب، وحدد جيدا إيقاع الحركة بل وسرعة السير في مضمار صعب للغاية، عرف وليد أين تكون العلل، وكيف تستأصل هذه العلل، فما أضاع وقتا طويلا في التشريح وحتى في إيجاد وصفة العلاج.
وقد أمكنني أن أقرأ سعادة المغاربة بمنتخبهم وبمدربهم الجديد، من خلال ما استقيته عينيا بملعب إسبانيول برشلونة، حيث قابل الفريق الوطني لاروخا الشيلي وفاز عليها بثنائية نظيفة، من تعبيرات الفرح والرضا، وكأني بالمغاربة أخرجوا من زنزاناتهم التي أدخلوا إليها متوجعين، ليطلقوا العقال للمشاعر والأحاسيس، وليكسروا ما كان من قيود على الفرح الجماعي. 
أنا لا أتحدث بالطبع عن المشاهد المرفوضة التي أعقبت المباراة بالإجتياح البشع لأرضية ملعب إسبانيول برشلونة، ولكنني أتحدث عن آلاف المغاربة الذين غادروا الملعب بوجوه ضاحكة ومستبشرة، بل من هذه الجماهير من عاد لها الأمل بقدرة أسودها على مقارعة شياطين بلجيكا الحمر وصقور كرواتيا ودلافين كندا بمونديال قطر.
ما كان هذا الإستبشار لحد الإفتخار، لينتاب المغاربة بعد ودية الشيلي، إلا لأنهم شاهدوا في سماء الفريق الوطني، غيوما تنقشع وأسارير تنفرج وأسودا تستعيد الزئير ومنطومة لعب تتحرر من بؤسها وشقائها، لذلك كان وليد الركراكي بارعا في إحلال هذا التغيير الكبير على أسلوب اللعب وعلى نفسيات اللاعبين، ولو لم يكن وليد إبن الدار ومتابعا لدقائق الأمور وعارفا بخبايا العرين، لما فعل هذا الذي فعله بهذه السرعة القياسية، وللأمانة ما كان غيره، مدربا أجنبيا أقصد، ليفعل ما فعله وليد بهذه السرعة القياسية، لأنه كان سيحتاج لوقت طويل ليتعرف على فريقه وعلى بيئته الجديدة وحتى على محيطه القريب قبل البعيد.
ومع عودة الروح، هناك دعوة لتحكيم العقل في تدبير شأن الفريق الوطني، ووليد كما الأسود بحاجة لأن نطرد عنهم كل الهواجس ونمتعهم بما يكفي من سلم رياضي ليواصلوا العمل، فالمؤكد أننا في مستهل رحلة استعادة الهوية، فلا حاجة لأن يصيبنا الغرور وأن نتوهم أشياء بعيدة عن الواقع، نحن ما زلنا في بداية التصحيح ولم نقطع من طريق الألف ميل سوى خطوة واحدة.