ما جدوى أن نبرم عقودا مع مدربين لثلاثة أو أربعة أو خمسة مواسم، ونحن تحت وطأة سلبية النتائج، نضطر إلى فسخ العقود ولم تنقض سوى أسابيع على إبرامها ؟ 
ما الفائدة من أن نخرج على الإعلام وعلى الرأي العام الرياضي، لنتحدث عن مشاريع رياضية، وهي صروح هشة لا تفتأ أن تسقط كما التلال الرملية التي تسقط مع مد البحر؟
رأيت من هذه الترهات الشيء الكثير في مشهدنا الكروي الوطني، وكنت أحسب أن الحماسة هي التي تدفع إلى ربط مدربين بعقود طويلة المدى، أو هو التشبه بالأندية الإحترافية التي تقدر قيمة المشاريع الرياضية والتسويقية وحتى الإقتصادية، إلا أنني وجدت أن بعضا من مسيرينا يتحدثون في الغالب عن أشياء لا يعرفونها، أو إن عرفوها لم يلتزموا بأحكام تنزيلها على أرض الواقع.
وما حدث داخل إتحاد طنجة هو تجسيد صارخ لهذا الإختلال الموجود في منظومة الإشتغال داخل مشهد كروي محكوم بالإحترافية، وتعبير عن الخلط الكبير في شرح المفاهيم والمصطلحات.
أخبرنا اتحاد طنجة وهو يتعاقد مع الإطار التقني الوطني الزاكي بادو لأربع سنوات، أنه احتكم في اختياره للربان التقني، إلى ما يحقق الأهداف الكبرى لمشروعه الرياضي، فقد رأى في الزاكي الرجل الذي يمكن أن يعيد بناء الصرح على قواعد متينة، حتى يتجدد الأمل في رؤية فارس البوغاز يكرر ما فعله قبل أربع سنوات عندما توج لأول مرة في تاريخه بلقب البطولة الإحترافية، لكن ما ستأتي به الأيام وكنا له جاهلين، أن خللا ما حدث في بناء المشروع، هو ما جعله يسقط من قبل حتى أن يبنى له الأساس، والسقوط تجسد في الإنفصال عن الزاكي بعد خمس مباريات لم يكسب خلالها اتحاد طنجة أي نقطة، بل إنه لم يتمكن من بلوغ مرمى المنافسين في أي مرة.
لا خلاف على أن المدرب يحاكم بالنتائج، برغم ما يوجد من فوارق في نسبة الصبر على المدربين عندما تسوء نتائجهم، إذ أن النتيجة الرياضية تختلف عندنا عنها في أوروبا مثلا، حيث تكون الأندية هناك أكثر صبرا على المدربين، ما دام أنها مقتنعة بعملهم وبأن نتائجهم لا تتحدث عنهم، وما دام هناك مشروع رياضي يقضي بأحكامه التي لا يجري نقضها إلا للضرورة القصوى.
لا خلاف على أن يرحل الزاكي ويؤدي فاتورة فشل المقاربة، وفشل تنزيل المشروع الرياضي، وأنا هنا لا أبرئه من أي مسؤولية في هذا الذي حدث، ولو أنني أعرف جيدا براغماتيته وفهمه الجيد لما يعنيه المشروع الرياضي الذي جرى التسويق له بطنجة، إلا أن المسؤولية يجب أن تكون متقاسمة، فالمكتب المسير لاتحاد طنجة مسؤول على هشاشة المشروع الرياضي، هشاشة بناء هذا المشروع وهشاشة تنزيله، وهو أيضا مسؤول عن الإمكانات التي رصدها لتمكين هذا المشروع من أن يشرب ماء الحياة ليعيش، ومسؤول أيضا عن الإرتباك الكبير الذي حصل والفريق لا يلعب بتشكيله الأساسي لأسباب متعددة، ومسؤول أيضا على القناعات التي وجدت لديه أولا ليختار الزاكي بادو مدربا ورجلا للمرحلة، وثانيا لكي يربطه بعقد من أربع سنوات، وثالثا لكي يتحدث عن مشروع رياضي لا يوجد إلا في خياله.
الزاكي بادو، حاله كحال مدربين كثر، كانوا قربانا لأزمة تقنية أو أزمة نتائج لا يمكن أن يكونوا وحدهم المسؤولين عنها، ولا أعتقد أن عقودا من أربع أو حتى عشر سنوات، يمكن أن تردع أو تفرمل المسيرين عندما لا يجدون حلا لتهدئة هيجان الشارع إلا التضحية بالمدربين، إلا أنني حزين لهذا الذي يقع في بعض الأندية تحديدا، والتي لا تعرف قيمة المشروع الرياضي، الذي لا يمثل المدرب إلا وجها من أوجهه الكثيرة، ولا تدرك خطورة أن تنساق لتحرير عقود طويلة الأمد من دون أن توجد لها الضمانات لكي تكون عقودا مثمرة.
ومقابل هذا التنزيل الهش لهذا المشروع الرياضي، عند بعض الأندية، نجد أندية أخرى تشتغل بفكر احترافي ومقاولاتي، ذلك أن المشروع الرياضي عندها مستوحى أساسا من هوية الفريق، وهو أيضا نتاج دراسة جدوى علمية تحيط بكل مسببات النجاح وتتوقع كل مسببات الفشل لتمنعها عن الفريق، وبعد هذا وذاك يتم اختيار المدرب الذي يتوافق مع روح المشروع، ويتعبأ الجميع لكي يخرج المشروع من الخيمة سليما غير معاق..
كم أتمنى من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أن تدعو رؤساء الأندية الوطنية لندوة يأتي للمحاضرة فيها مدراء رياضيون لكبريات الأندية العالمية، تخصص بالكامل لفلسفة وروح المشروع الرياضي ودوره في الحفاظ على هوية النادي، أكيد لو حصل هذا، سيعرف بعض من رؤساء أنديتنا أنهم عند حديثهم عن «المشروع الرياضي»، إنما كانوا يخبطون خبط عشواء..