هل بقي من فريق ونحن بالكاد ننهي الأسبوع السابع من البطولة الإحترافية، لم يحتج بالتصريح أو بالتلميح، جهرا أو بالإيماء، من الأخطاء التحكيمية، وصاغ بشأنها مدونة إحتجاج موجهة بالبريد السريع للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومن خلالها تحديدا لمديرية التحكيم؟
لا مجال أبدا لتغطية الشمس بالغربال ولا للعمل بمبدإ «كم من حاجة قضيناها بتركها أو بإهمالها»، فنحن أمام حالات تخنق المشهد الكروي الوطني بأدخنة كثيفة، مصدرها نار تأججت في مكان ما ولابد من الإسراع بإطفاء لظاها، حتى لا تحرقنا جميعا بلهبها.
والإحتجاج الذي يختلف لهجة وصياغة ومنطوقا من فريق لآخر بحسب درجة الإكتواء من جحيم «الأخطاء التحكيمية»، لا يتعلق فقط بقرارات مؤثرة للحكام أكانوا حكام ساحة أم حكام ڤار، ولكنه يمتد إلى الطريقة التي تدار بها المباريات من طرف حكام لقنوا في مدارس التحكيم بعصبهم الجهوية درسا موحدا، يقول باعتماد الصرامة الكاملة في تطبيق القانون ولو بتقطيب الحواجب، لجعل اللاعبين ينصاعون ويمتثلون ولا يحتجون.
لا يستطيع أي من أن ينكر على الجامعة أنها كانت مبادرة داخل قارتها إلى معالجة الأخطاء التحكيمية بمقاربات كثيرة، ولعل أهمها المسارعة إلى الإستنجاد بالتكنولوجيا، حيث كانت الجامعة من أوائل الإتحادات القارية التي صرفت مبلغا ماليا كبيرا من أجل العمل بتقنية الڤار وتأهيل الحكام للتعامل بحيادية كاملة مع هذه التكنولوجيا الحديثة والتي يراد منها رفع المظالم والتقليص من السلطات التقديرية للحكام وإشاعة نوع من العدل في المباريات، برغم أن تجهيز الملاعب بالمعدات التقنية لم يكتمل بعد.
واستبشرنا خيرا، بقدوم هذا الوازع العيني الذي يحفظ الحقوق ويقلص مساحات الخطإ عن غير عمد، وزاد من يقيننا بوجود هذه النية في تجويد أداء الحكام حقنا للأوجاع والإتهامات والإحتجاجات، أن مديرية التحكيم انفتحت بالكامل على محيطها الرياضي، بأن انتظمت في عقد تناظرات مرئية أسبوعية، تتناول فيها القرارات القوية التي اتخذها الحكام خلال المباريات، وكما أنها تقدم لهذه القرارات سندا قانونيا يزيل اللبس ويساعد على تثقيف اللاعبين والمدربين وحتى رؤساء الأندية، فإنها لا تتوانى في التشهير بأخطاء الحكام عند تطبيقهم للتقنيات الحديثة.
وإزاء ما نشاهده في مبارياتنا من مظاهر غير مقبولة للإحتجاج على قرارات اتخذها الحكام وينتظرون فيها رأيا قاطعا من غرفة الڤار، وما تقدم عليه بعض الأندية من احتجاجات مصاغة بلغة التعويم، فإننا برغم ذلك لا نزعم أن حكامنا لا يخطئون، ليس في احتساب الأهداف من عدمها ولا في الإعلان عن ضربات الجزاء من عدمها، لطالما أن الأخطاء المترتبة عن قرارات لا يمكن أن يصل إليها الڤار لأنها لا تدخل في نطاق صلاحياته، مصدرها شخصية هؤلاء الحكام وروحهم القيادية، وهذه أشياء تتعلق أساسا بالجوانب التكوينية للحكام، وكما أننا لا يمكن أن نعطي كرة القدم الوطنية نسخا كثيرة من لاعبين مهاريين وأسطوريين، مثل العربي بنمبارك وحسن أقصبي وعبد الرحمان بلمحجوب وأحمد فرس ومحمد التيمومي إلى غاية نور الدين نيبت، فإنه من الصعب جدا أن نحصل على حكم في روعة وأسطورية المرحوم سعيد بلقولة، ولا الحكام الكبار الذين مروا على كرة القدم المغربية وحكموا مباريات كانت تجرى على حد الرعب.
إن تطويق أزمة التحكيم والتي لا أتصور أنها بالقتامة التي تبدو للبعض، تمر من دعوة رؤساء ومدربي وعمداء الأندية ورجال الإعلام، إلى تناظر وطني يجلس فيه الكل لطاولة الحوار، ويجري النقاش هادئا ومسئولا بين كل المتدخلين، نخرج منه جميعا بميثاق تحكيمي يلتزم فيه كل طرف بإلتزاماته، الحكام بتغيير المقاربة التعاملية والسلوكية في إدارة المباريات والتقيد الصارم بأحكام بروتوكول الڤار، والمدربون واللاعبون بالإنصراف كليا عن الإحتجاجات المبالغ فيه والتي لا تجدي نفعا، ورؤساء الأندية لكي لا يقدموا على رش الملح على الجرح بتحرير بلاغات عائمة هدفها التهييج فقط، والإعلاميون ليقفوا إزاء ما يحدث وقفة الناقد المحايد المطلع على القانون وأحكامه.
نعتبرها أزمة للتحكيم، ليس بمنظور ما يرتكب من أخطاء، ولكن بمنظور الثقة التي باتت شبه مفقودة بين الحكام والأندية، وهذا أمر خطير لا يمكن السكوت عليه.