ما بين القول بأنها كأس عالمية إستثنائية، والقول بأنها كأس عالمية مثيرة للجدل والجلبة والضوضاء، تلك النسخة الثانية والعشرون التي ترفع الأحد القادم ستارتها بمباراة إفتتاحية بين قطر والإكوادور، أفضل أن أتحدث عما هو استثنائي في طبعة يبدو لي أنها غير مسبوقة للأسباب التي سأوردها، يقينا مني أن ما تداعى في الجنبات من رشق ونسف وتلطيخ يصل حد القذارة، هو هلوسات لا يؤخذ بها، لأنها لا يمكن أن تغير مجرى الأحداث، ولأنها زبد البحر الذي يذهب جفاء، فقطر ستنظم كأس العالم، بل إنها ستقدم نسخة مبهرة من المونديال.
على مدى 12 سنة كاملة، دخلت قطر وهي تحظى كأول دولة عربية وشرق أوسطية وخليجية بشرف استضافة حدث في كونية كأس العالم، في سباق مثير مع الزمن، طوت السنوات ثم الأشهر فالأيام، لتحقق ما يمكن بالفعل وصفه بالمعجزة، أن تتغير ملامح الدولة بالكامل، ذلك أن الملاعب الثمانية التي هي في واقع الأمر تحف معمارية وهندسية تأسر العيون، ليست إلا جزئية صغيرة في حجم الإنماء المهول الذي امتد من الحجر إلى البشر، وعندما تصل اليوم تكلفة استضافة قطر لكأس العالم إلى 220 مليار دولار، ومقارنة مع ما كلفه قبل أربع سنوات تنظيم المونديال بروسيا (11،6 مليار دولار)، مع هذا الفارق المهول، نتوصل إلى حقيقة أن ما فعله كأس العالم في قطر ربما كان يحتاج لخطط إنمائية تستغرق 30سنة، فكيف يستكثر بعضهم أن تصبح قطر قبلة للعالم على مدى شهر كامل؟ كيف لهم أن لا يتنازلوا عن خيلائهم ونرجسيتهم ويعترفوا لقطر بهذا الجهد الخرافي الذي بذل على كافة الصعد ليكون مونديال 2022 لائقا بكونيته التي لا ينافسها فيه أي فعل إنساني آخر؟
كيف لا ترفع القبعة لقطر وهي تعدد من صيغ الإبداع والخلق، لتكون هذه الكأس العالمية فارقة في تاريخ المونديال، الكاس الأولى ذات الإرث المستدام، والكأس الأولى الأكثر صداقة للبيئة، والكأس الأكثر جاذبية وجلبا للإعجاب؟
ولأن جياني إنفانتينو كان يعرف لتلك الغارات اليائسة التي شنت على مونديال قطر، جحرا ومصدرا، فإنه خرج على القوم وقد عدد من قناعاته بأن هذا المونديال سيكون تاريخيا بكل ما في الكلمة من معنى، ليقول لهم، لا تفسدوا على كرة القدم فرحها، دعونا نستمتع بحوار الأقدام على أرضيات الملاعب، وتعالوا تشاركوننا الإحتفال، حتى لا يقول لهم ما يعتمل بداخله «موتوا بغيظكم، مونديال قطر له موطن واحد هو قطر».
لماذا إذا هو مونديال إستثنائي؟
أولا لأنه يقام شتاء وليس صيفا، ومن شأن هذا التحول في زمان المونديال أن يأتي بأشياء ستنعكس لا محالة على المباريات، لطالما أن اللاعبين برغم ما عاشوه من هواجس واستنزاف جراء الأجندة المضغوطة، سيأتون إلى مونديالهم بطراوة بدنية وذهنية ستكون مساعدة على إنتاج مشاهد كروية ممتعة.
ثانيا لأنه مونديال يجرى على ملاعب روعة في تصميمها كل ما يساعد اللاعبين على جعل العرض الكروي ساحرا، كما أنها ملاعب جاهزة بتقنيات التبريد لمواجهة أي طارئ مناخي، في حال ما إذا زادت درجات الحرارة عن النسب المألوفة في هذا الشهر والشهر الذي يليه.
وهي ثالثا كأس عالمية استثنائية، لأنها ستجري لأول مرة في ملاعب قريبة من بعضها، وهذا المعطى لم يتوفر في أي من المونديالات السابقة، طبعا المونديالات من الجيل الجديد، ومن شأن هذه الجزئية المهمة أن تغدق على كأس العالم حالة جديدة من الهيام بين الجماهير والمباريات، ولكم أن تتصوروا العالم بمختلف ثقافاته الإحتفالية، وقد تجمع بفضل المونديال في مساحة صغيرة لصناعة الفرجة الكونية.
ومع يقيني الكامل من أننا سنشاهد كأسا عالمية هي الأجمل على الإطلاق، فإنني آمل أن تكون رفع الستارة بأجمل عبارة من العنابي القطري يوم الأحد القادم، فأل خير على المنتخبات العربية وبخاصة على منتخبنا الوطني الذي سيجعل من موندياله السادس موعدا لا يخلفه مع التاريخ بمشيئة الله..
إنه مونديال الخيال، فمرحبا بنا في شهر الإحتفال..