كان لابد وأن نتخيل الضغط الذي أطبق على عقل وليد الركراكي وهو يحضر لاختبار جديد، يختلف تماما عن كل الإختبارات في الحجم والمقاس والمحتوى، فأن تتجهز لنصف نهائي كأس العالم وأنت في مواجهة منتخب جاء للمونديال مدافعا عن لقبه، تفكر ربما ألف مرة قبل أن تأخذ القرار التكتيكي الذي سيرسم وجها للمباراة.

كان واضحا أن ديديي ديشان مدرب منتخب الديكة حصل على كل ما يساعده على تحيين منظومة اللعب لمنتخبه الفرنسي، وقد دلته الكشوفات وحتى التحاليل الدقيقة على أنه سيكون أمام منتخب هو ظاهرة المونديال، بقتاليته وجسارته وأيضا بدفاعاته الخرسانية المدهشة، التي وقف إزاءها المدربون الآخرون عاجزين، لذلك فإن ما نجح فيه ديشان لوجوده على رأس كتيبة قوية وأرمادا من النجوم، لم يفلح فيه لغاية الأسف إبننا ورباننا وليد الركراكي، لأنه تحت إكراه غيابات وازنة على مستوى الخط الخلفي وشعورا منه بأن لاعبيه نال منه التعب ما ناله، سيلجأ من البداية لمتغير تكتيكي أبدا لم يكن يفكر فيه خلال المباريات السالفة، بأن يبدأ المباراة بثلاثة قلوب دفاع (سايس، الياميق وداري)، وما حرضه على هذا التعديل الإستراتيجي لمنظومة اللعب، هو أنه كان يريد بأي ثمن أن يلغم الأطراف التي يتحرك فيها القطاران فائقا السرعة (مبابي وديمبيلي).

وقد كان مؤسفا أن يتلقى الفريق الوطني هدفا من خطإ في التغطية في الدقيقة الخامسة من زمن المباراة، ليجد نفسه في وضعية غير مألوفة لديه، أن يستحوذ على الكرة لا أن يكون مراقبا لها لأنه كان يريد العودة في النتيجة، وهو ما لعب لصالح المنتخب الفرنسي الذي أيقن من خروج الأسود من ثكناتهم، وبالتالي بدأ في اللعب على ظهر المدافعين والتحرك بين الخطوط التي ما عادت تشتغل بنفس الطريقة.

وكان ممكنا جراء الضغط القوي للفريق الوطني، أن يعود الأسود في النتيجة لولا أن الحكم المكسيكي لم يحتسب للمغرب ضربتي جزاء واضحتين (عرقلة بوفال والإمساك بسليم أملاح)، في حادث يعيد للأذهان ظاهرة التآمر على المنتخبات الصغيرة والحيلولة دون بلوغها المباراة النهائية. بالقطع ليس لي أي نية لأبخس العمل الرائع بل الأسطوري للإطار وليد الركراكي، لأن ما حدث هو من صميم الإجتهاد الذي ينال عليه الأجر سواء أصاب أم خاب، إلا أنني كما الأسود وكما مدربهم وليد، أعض الأصابع أسفا لا ندما على أن المنتخب الوطني المغربي لم يكن في هذه المباراة بالذات كامل العدد بشريا وكامل العتاد بدنيا، وإلا لشاهدنا بطل العالم يرتعش ويعاني أكثر بكثير مما عانى وارتعش في هذه المباراة، التي أوقفت المسار الأنطولوجي لأسود الأطلس في محطة الدور نصف النهائي، وجعلت آخر أحلام منتخب الحالمين والساجدين، اللعب يوم السبت على المركز الثالث للوصول إلى البوديوم المونديالي، وهو أقل شيء يمكن أن يكافئ أسود السعادة ومنتخب القيم. لا مجال إذا لكي نبكي على ضياع حلم الوصول للمباراة النهائية، فالهامات يجب أن تبقى مرفوعة والإرادة الجماعية لابد وأن تحضر في مباراة السبت ليضع الأسود أجمل نهاية لأجمل ملحمة عرفها كاس العالم في مائويته الأولى.