لم يأت الفريق الوطني لخاتمة فصول الحكاية الجميلة التي ستخلد في ذاكرة المونديال، وكيف لا تكون ساحرة بل وأسطورية وهي تروي قصة منتخب جاء إلى كأس العالم بأحلام يقفها عبور الدور الأول ليجد نفسه بين الأربعة الكبار، لم يأت الفريق الوطني لمواجهة كرواتيا في نهاية المسار الأنطولوجي، بعد أن التقاها في مستهل المسير الخرافي، ليلعب مباراة إستعراضية، مباراة لتحديد من يكون ثالث المونديال، وقد جرى تسميتها تارة أولى بمباراة الجريحين وتارة ثانية بمباراة الترضية، وتارة ثالثة بمباراة النهائي الصغير.
برغم وجع الطريق، وبرغم الآهات والإصابات والأعطاب ونوبات الإجهاد البادية على اللاعبين، إلا أن الفريق الوطني جاء مصمما على ترك آخر نبضات القلب وآخر قطرات العرق على أرضية ملعب خليفة، لعله يفلح في الفوز بالمباراة والصعود للبوديوم كثالث مونديال قطر.
ولم يكن الفريق الوطني وحده الذي عض بالنواجد على فرصته الأخيرة في تسجيل إسمه في قائمة الشرف، فحتى المنتخب الكرواتي نازعه هذا الرجاء، إذ جزم مدربه داليتش وأسطورته مودريتش على أن الميدالية البرونزية هي بلون الدهب.
وما خدم منتخب كرواتيا وهو يعتمد على القوام الأساسي للتشكيل البشري، ليكون في مباراة الدرج الأسفل للبوديوم المونديالي، بكامل طراوته البدنية وقد حصل على أربعة أيام راحة بعد سقوطه بالثلاثية أمام الأرجنتين، ألدا لم يسعف فريقنا الوطني، فقد تحالف الإجهاد والإستنزاف الكبير للطاقة وبخاصة الإصابات التي استهدفت كالجائحة لاعبي خط دفاع، ليقدم لمواجهة كرواتيا منتخبا منهكا ومفتقدا للرافعات البشرية التي عليها تتأسس المنظومة الدفاعية التي وصفت من كبار الخبراء والمحللين بأنها المنظومة الخرسانية التي أعادت لكرة القدم الكاتناشيو الإيطالي بروح جديدة وبصياغة تكتيكية مستحدثة.
وظهر واضحا من البداية أن الملكات الفنية للكروات ستكشف عوراتنا الدفاعية بالضغط العالي الذي يسقط المنافس في شرك الأخطاء، بخاصة وأن وليد إن أكره على تغيير ثنائية قلب الدفاع بالكامل، بإدخال أشرف داري وجواد اليميق مكان المصابين رومان سايس ونايف أكرد، فإنه بمحض إرادته اعتمد على ثالوث وسط ميدان مشكل من أمرابط، صابيري والخنوسي، فيما لازم أوناحي وأملاح دكة البدلاء.
سيستقبل الفريق الوطني هدفا من تصيد لخطإ في التمرير، وسينجح الفريق الوطني سريعا في التعديل برأسية أشرف داري، إلا أن العناصر الوطنية وجدت صعوبة كبيرة في التحلل من الضغط الرهيب للكروات وهو ما نجم عنه هدف ثان لزملاء مودريتش من نفس الجحر الذي منه لدغنا عند الهدف الأول، وهو ما فرض على وليد الشروع في تغيير وسط الميدان رمانة الميزان، وسيقبض الفريق الوطني على ناصية المباراة في الجولة الثانية بخاصة مع دخول أوناحي الذي أعاد الإشتغال للجبهة اليمنى، وبرغم الفرص التي أتيحت وبخاصة تلك التي لم يكن فيها النصيري محظوظا، إلا أن الفريق الوطني استحالت عليه العودة، ونطقت المباراة بحقيقة الإجهاد البدني للعناصر الوطنية، الإجهاد الذي تنجم عنه في العادة إصابات عضلية، ليغادر المباراة كل من اليميق وداري وينهي المغرب المباراة بأمزابط مدافعا أوسط إلى جانب بدر بانون.
لم يكن مقدرا لأسود الأطلس أن يختتموا مونديالهم الأسطوري باحتلال المركز الثالث، لوجود قوة قاهرة علمنا لها سببا، إلا أنهم بمرتبتهم الرابعة، غادروا مونديال قطر أبطالا في عيون الملايين، الملايين من المغاربة الذين تفاخروا بهم، والملايين من العرب الذين هاجت فيهم مشاعر العروبة برؤيتهم يصعدون القمم،  ومن ملايين العالم الذين وقفوا مبهورين بسحر أدائهم، بشجاعتهم وبجرأتهم، وما أظن أن نسخة مونديال قطر ستنسى سريعا السحر المغربي الذي سافر من المحيط إلى الخليج، فنشر في الأجواء العطر والأريج بالأداء الرجولي والمستوى البهيج.