إن ذكر المغاربة مونديال قطر، بما أسعدهم وأعْلَى هاماتهم، ومنتخبهم الوطني يودِع التاريخ ملحمة جديدة تضاف لملاحم كثيرة كتبها عباقرة ونوابغ هذا الوطن على مدى عقود من الزمن.
إن ذكروا مفتخرين ومبتهجين رحلة النصر التي دامت شهرا كاملا في رحاب أرفع الملتقيات الرياضية العالمية، واندفعوا بالملايين للشوارع هنا في المغرب وحيثما تواجدوا في بلاد المعمور، للإحتفال بالأسود الأبطال..

إن بكى كثير منا فرحا لمولد الأسطورة الجديدة هناك في قطر، في خيمة العرب، وإن كان بعضنا إلى الآن ما زال غير مصدق لما رأته عيناه. وإن أبدع أشقاؤنا العرب والأفارقة في انتقاء المفردات التي تلبس الإنجاز المغربي التاريخي والرائع لبوسه الحقيقي الدال على الإعجاز، فإن أسود الأطلس، صانعي الملحمة، إلى الآن يعتقدون أنهم في حلم، حلم جميل لا يتمنى أي منا أن يفيق منه..
فكيف يعتقد أسود الأطلس، أبطال الملحمة، أنهم في حلم وهم أساسا من نسجوا بكل إتقان فصول هذا الحلم الجميل؟
قال عز الدين أوناحي أيقونة المونديال، من كان قبل 18 شهرا لاعبا على هامش الحكاية، يكتب بالكاد إسمه في أقسام الهواة بفرنسا، ليصبح ملهم الجماهير، «نحتاج إلى بعض من الوقت لنعي حقيقة ما أنجزناه، ندرك فعلا أننا كتبنا التاريخ في مونديال قطر، لكن ما شاهدناه عند عودتنا للمغرب وضعنا في صورة الأسطورة التي أنجزها الأسود في كأس العالم».
وهي جملة تختصر بصدقها وعفويتها المشهد بكامله، فما أشعر الأسود بهلامية وفخامة وتاريخية ما أنجزوه بمونديال قطر، ما عاشوه منذ اللحظة التي حطت الطائرة الخاصة التي أقلتهم من قطر بمطار الرباط وسلا، شيء خرافي، شيء من الذهول الذي حكت عنه ألف ليلة وليلة، شيء بل أشياء أشعرتهم وكأنهم يسبحون في السماء.

في عيون اللاعبين شعت فرحة كبيرة، انعكست على سلوكهم وهم يمتطون الحافلة المكشوفة ويتحركون وسط أمواج بشرية، بعضهم كان به مس من الجنون، لم يعرف ماذا يفعل بسعادته الغامرة، وقد دل على ذلك نقلهم المباشر عبر حساباتهم على إنستغرام وفايسبوك لموكب الأبطال وهو يتحرك وسط أمواج المغاربة السعداء بأبطالهم، كما يتحرك موكب الفراشات في الحقول المزهرة، ومنهم من كان غير مصدق لما تراه عينه، فقد كان المشهد جنونيا بالمعنى الذي يُعْجِز عن الوصف، ولابد لك أن تكون في المغرب المتفرد في عراقته وعمقه التاريخي وعناق الحضارات على أرضه، لتدرك أنها الحقيقة لا الحلم ما شاهدته العيون يوم الثلاثاء الماضي، وقد كانت المباراة المونديالية الثامنة التي لعبها الفريق الوطني، هنا بالمغرب وليس بقطر، مباراة هي الأجمل، فقد كان الأسود فيها على المدارج بينما كان اللاعبون، هم الملايين من المغاربة من الجنسين ومن كل الأعمار، الذين احتفوا واحتفلوا وصدحوا بالأناشيد والأهازيج، نساء تصلين على نبينا الكريم وتطلقن زغاريد الفرح، وشباب ورجال يرددون أناشيد النصر.

وتتويجا لهذا المشهد الإحتفالي بالأبطال في عيون المغاربة، سيمثل الأسود بمدربهم العبقري وبرئيس الجامعة الملهم والمبدع لملحمة النصر، أمام رمز الفخر وباني مجد الأمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وقد وجه  بحكمته وسيرا على هدي أجداده، لأن يكون الأسود مرفوقين بأمهاتهم، وتلك واحدة من القيم الرائعة التي أرسلها المغرب لكل العالم خلال المونديال، أننا عربا ومسلمين نُكْرِم الأم ونضعها تاجا على الرؤوس، فالأم بها تطيب النفوس، والأم كما علمنا ديننا الحنيف وكما علمتنا تقاليدنا الدالة على عراقتنا، هي المدرسة التي تُربِّي على حميد الأخلاق، وعلى حب الوطن حتى كنا شعبا طيب الأعراق، ورضا الأم هو الذي يقودنا للمكارم ولحلال الأرزاق.
أكرم بك من وطن ترتفع بذكرك الهامات، وأكرم بك من ملك تبدع للنماء والمجد المسيرات، وأكرم بك من شعب للوفاء والولاء يرفع الرايات، وأكرم بك من منتخب حققت الغايات وجعلت من المونديال ساحة لأجمل الإبداعات..
مغاربة ونفتخر…