لا أظن أن العبارات تخون باتريس موتسيبي رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، كلما هم بالحديث عن المسلك الوحيد الذي يمكن أن يعبر بكرة القدم الإفريقية هذه المستنقعات التي أنشأت عن عمد من قبل الوصوليين والمنتهزين، والتي تعطل كل انطلاقة نحو الهيكلة والإحترافية وجودة المظهر والمنتوج، فهو يعرف أن منجم الذهب الذي عثر عليه منذ زمن بعيد، متمثلا في الجواهر النفيسة التي تخرج من حارات البؤس والشقاء بإفريقيا، يوجد بيد لصوص المواهب وتجار المصالح ومصممي السيناريوهات البليدة للتدخل السافر للسياسة في كرة القدم التي هي نعيم الأشقياء وخبز التعساء وأوكسجين الفقراء.
ولأن القطع مع مصاصي الدماء ومع تجار الشعارات الجوفاء، ومع صانعي البؤس السياسي، أولئك الذين يُدخلون الرياضة إلى بؤر محظورة لتصريف الحقد السياسي، لا يحتاج فقط إلى تعابير يطلقها باتريس موتسيبي بملامح متجهمة وغاضبة، بل إلى أفعال سيادية، فإننا ننتظر كيف سيكون تعامله مع هذا الذي أحاط بالنسخة السابعة لبطولة إفريقيا للاعبين المحليين التي أسند تنظيمها للجارة الشرقية، بل وتداعى من أحداث بئيسة وجالبة للعار من بدايتها.
لم يرتفع لباتريس موتسيبي صوت لكي يلزم الجهة المنظمة للشان بالتقيد الكامل بأحكام اللوائح، وإلا لأجبر الجارة الشرقية على الترخيص لطائرة الخطوط الملكية المغربية باختراق الأجواء الجزائرية المحظورة علينا، حتى لا تحرم البطولة من سيدها وبطلها في آخر نسختين، بينما كانت الأدبيات تقتضي أن يتم الترحيب بالمنتخب المغربي نظير السعادة التي نشرها على العالم في مونديال قطر، ونظير النقاط الكثيرة التي سجلها لصالح كرة القدم الإفريقية في كأس العالم.
ولم يرتفع لباتريس موتسيبي صوت استنكار، وهو يشتم من بعيد رائحة إحتراق القيم الرياضية بنار السياسة في حفل افتتاح الشان، وقد أقحمت قضية سياسية لها منصاتها التي تُناقش فيها ويجرى الترافع حولها، حدث ذلك لغاية الأسف في منافسة رياضية تجمع تحت لوائها الشباب الإفريقي الذي يعتز أيما اعتزاز بأسود الأطلس، وقد أهدوه فرصة لكي يحلم، منافسة تنظمها الجارة الشرقية ولكن مسؤوليتها كاملة تلقى على عاتق الكاف.
أمام أعين إنفانتينو رئيس الفيفا وباتريس موتسيبي رئيس الكاف وهما يصلان صباح الجمعة الماضي إلى المغرب لحضور حفل سحب قرعة الموندياليتو، كان منتخب مغربي مشكل من شباب يحلمون بالنسج على منوال الأسود بتعقب لقب ثالث للشان، يجلسون في بهو المطار، يمنون النفس بسماع إشارة الصعود للطائرة كي تبدأ فعليا رحلة الحلم، قبل أن يصدمهم صوت مدربهم وهو يطلب منهم العودة إلى نواديهم، لأن التصريح الرسمي الذي كانت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تنتظره لكي يأتي من الكاف، بعد أن جاءت منها الموافقة المبدئية على المطلب، ما أتى وما كان يجب أن نوهم أنفسنا بأنه سيأتي ممن يمعنون في نشر الحقد والبغضاء والتنطع، من دون أدنى وازع إنساني أو أخلاقي.
لم تفعل الجامعة فيما ذهبت إليه وهي تربط مشاركة المنتخب الوطني في بطولة الشان بالجارة الشرقية برحلة مباشرة للمنتخب على متن طائرة الخطوط الملكية المغربية الناقل الرسمي للجامعة من مطار الرباط سلا إلى مطار قسنطينة، لم تفعل شيئا سوى أنها احتكمت باللوائح المنظمة للبطولة، والتي تعطيها الحق في الوصول إلى مدينة البطولة بالطريقة التي تختارها لا التي تمليها الدولة المستضيفة، لذلك لم ولن يعتبر غياب المغرب عن بطولة الشان انسحابا، بل هو غياب مبرر قانونا، ومن يتحمل مسؤولية هذا الغياب هو جهاز الكاف الوصي المباشر على البطولة والضامن لحقوق المنتخبات المشاركة، لذلك سيكون المكتب التنفيذي للكاف مطالبا بطرح قضية تغييب المغرب والإجهاز على حلم منتخبه المحلي بالدفاع عن لقبه، بكل إسقاطاتها وتداعياتها، لأخذ القرارات الملزمة، حتى لو اقتضى الأمر إعادة صياغة هذه اللوائح، إذ الإساءة التي جاءت من الجارة الشرقية المستضيفة للبطولة، لم تتوقف عند الإمعان في رفض فتح الأجواء أمام طائرة تقل منتخبا مشاركا في البطولة والمزايدة فيها، ولكن تعداه لإسقاط الحقد السياسي على بطولة ولدت من أول يوم بريئة من هذه الحقارة، والتشهير علنا بالجماهير المغربية التي كانت في مونديال قطر مضربا للأمثال في الإلتزام والإنضباط والمساندة النظيفة لمنتخبها الوطني.
لا مجال إذا لحشو فضاء كرة القدم الإفريقية بالكلمات المفرغة من معانيها، فإما أن تكون الكاف على قدر المسؤولية وتنتصر للقيم السامية لكرة القدم وتنبذ مسالك البغض والحقد والعداء وتنظف الشعاب من وسخ السياسة، ولا تمنح تنظيم بطولاتها لمن لا يحترمون المؤسسة والشعوب الإفريقية، وإلا سنقول لا رجاء منك يا موتسيبي..