على ماذا الحسرة وجميلة مدائن العراق أرخت الستارة على واحدة من أجمل نسخ كأس الخليج العربي بنهائي قمة في الجمال والإثارة بين أسود الرافدين ومنتخب عمان، وبتتويج ولا أجمل للعراق؟
البصرة الحاضرة التي تختصر زمنا إنسانيا طويلا، عامرا بالأحداث والشخوص التي أثرت في الحضارة الإنسانية، كسرت الأغلال ونفضت عنها غبار الإهمال وعادت لتحضن دول الخليج في تجمع كروي قمة في الجمال، وكيف لا يكون جميلا وقد رافقته صور الإحتفال الرائعة، الإحتفال بعودة الخليج منارة تضيء الخليج، والإحتفال بسمو القيم التي من أجلها أنشئ هذا التجمع العربي حول خليج السعادة والمصير المشترك.
وكم كان لافتا ونحن نتابع هذه البطولة الإقليمية التي جعلت لها عبر شريط طويل من الزمن مكانا وهوية ومرسما، أن نرى عراقنا الجميل وهو يغلق الثقوب التي منها كان يمر الزمهرير ويجفف المنابع التي منها كان يسيل الدم، ويوصد الأبواب التي تقود إلى الجحيم، ليعود العراق إلى نفسه، مشتاقا يسعى إلى مشتاق، عراق عصي على الفراق، وعراق من سباته استفاق ليرش الحقول بإبداعه فيكثر الإغداق. 
وكم كانا لافتا أن نرى كيف أن الخليج استعصى على التفكك وعلى عاديات الزمن، فما انهار ولا سقط بفعل ما كان من عواصف الخلاف التي هبت على الأشقاء، فكان الخصام وما كانت القطيعة، لطالما أن الحصون منيعة وأعمدة الخيمة رفيعة.
لقد أظهرت كأس الخليج في نسختها الخامسة والعشرين بالبصرة، أن السقف حديد وركن البيت الخليجي حجر، فإن داهمه الزمان بعاصفة تمايل كالسنابل الملأى فيعود منتصبا وشامخا.
حسرتي من الذي شاهدته في البصرة، مصدرها حلم مغربنا العربي الموءود، فكم تمنينا نحن أبناء هذا المغرب العربي الكبير أن تكون لنا خيمة كخيمة الخليج نجتمع بداخلها لنصنع السعادة الجماعية والمصير المشترك، ونتقاسم في بطولاتنا الرياضية قيم الوحدة والتضامن ونسير في الدروب الصعبة اليد في اليد، لا قوة ترهبنا ولا عدو يخيفنا ولا خلاف يبطء سيرنا نحو العلا.
حسرتي كبيرة من الذي شاهدته منذ سنوات، من تعطيل مبرمج لهذا الصرح المغاربي الكبير، من إجهاز سريع لأي مبادرة ترنو لإنبات زهرة الأمل، ولا نعيب في الموت الإكلينيكي للحلم المغاربي الكبير زماننا ولا من هم في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، ولكننا نعيب من هم بيننا، من يتوسطوننا فلا هم مدوا اليد، ولا هم وضعوا حجرا واحدا لبناء الصرح، ولا هم استصاغوا أن تقوم لهذا الكيان قائمة، فافتعلوا ما فرقوا به بين الشعوب المغاربية، ما أعلنوا من خلاله عن موت المغرب العربي في المهد وما هو وهم يبيعونه لأنفسهم قبل أن يبيعوه لغيرهم.
كيف لا تكون حسرتنا كبيرة، على ما شاهدناه في بصرة العراق، وقسنطينة حاضرة الجارة الشرقية رفضت وهي تستضيف بطولة الشان، أن يتواجد منتخبنا المحلي البطل هناك بين أشقائه الأفارقة ليدافع عن لقبه، عندما لم تمنح الجارة الشرقية بسبق عجرفة وإصرار على الإذاية، الترخيص لطائرة المنتخب بالتحليق في الأجواء الجزائرية.
كيف لا تكون الحسرة كبيرة على ما صدرته بصرة العراق من صور جميلة تغالب الفكر الإنهزامي الذي يقول ألا أمل في العرب لكي يجتمعوا على كلمة واحدة وعلى قلب واحد، بينما في مغربنا العربي الكبير المخنوق شريانه من الجارة الشرقية، ينكل بالجار ويسفه الجار ويمنع من التواجد في منافسة رياضية قارية جار بطل، بل وتقفل الحدود وتلغم المساحات وتغلق الأجواء برا وبحرا وسماء، ولو طالوا السماء لأوقفوا سير السحاب وأفرغوا من الغمام المطر.
ألا تتملككم مثلي الحسرة على ما شاهدناه في البصرة؟ فبينما يرتفع خليجنا العربي لهام السحاب لا يلهيه ضباب ولا يعكر صفوه عتاب، ينزل مغربنا العربي إلى الدرك الأسفل من العبث واللامبالاة، فلا يصعد منه إلا اليأس والقنوط والعبوس، والناس منه يؤوس.