لم يعد ما يفعله الجيران يفاجئنا، فقد أصبح من طبعهم أن يأتوا كل يوم بما يجبرنا على عدم الإنسياق وراء تراهاتهم، فقد كانت واقعة العلم الوطني في ملعب 5 جويلية شاهدة على هذا التسيب المعلن والإجهاز الفاضح على القيم الرياضية التي تسمو عادة فوق الخلافات السياسية، وما عاد إزاء هذا الإستنساخ المقيت للخروج عن النص الأخلاقي، لوجود حالة مرضية مستعصية عند الجارة الشرقية، ملجأ تفر إليه الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم لتخفي حرجها، فما يتوالى من أحداث، من حفل افتتاح الشان الذي قلل من شأن الكاف، إلى هذا الذي كانت مباراة شبيبة القبائل والوداد شاهدة عليه، يفرض فرض عين أن تكون للكاف ردة فعل جازمة وحازمة وصارمة حتى لا يصدر المستنقع الخبيث المزيد من الروائح الكريهة.
لم نتفاجأ بالطبع للهذيان الجديد الذي أصاب الجيران، كلما حضر إسم المغرب في الواجهة، ولكننا تفاجأنا للصورة المغضبة للوداد في مباراة القبائل عن الجولة الثانية لعصبة الابطال الإفريقية، صورة لا تعبر بالطبع عن البطل القاري ولا عن حقيقة الوداد ولا عن مرجعيته وما يتمتع به على مستوى الرصيد البشري، إذ لم تكن هناك فرصة أوضح من هاته ليقلم الوداد أظافر الشبيبة ويغنم بالنقاط الثلاث التي تعطيه من البداية فرصة قيادة المجموعة بروح بطولية، فقد كان الشبيبة في وضع معتل ذهنيا بسبب ما تكالبت عليه من نتائج سلبية أرسلته لقاع ترتيب البطولة الجزائرية.
للأسف عامل الوداد الرياضي مباراته ومنافسه بكثير من الإسفاف حتى لا أقول الإستخفاف، فقد سمح انطواءه دفاعيا بأن تصبح للشبيبة مخالب بل وأن تطول هذه المخالب فتعبث في فرو الوداد، إلى أن وقع الكناري هدف الفوز الذي بدا للحساسية الموجودة ولمعاناة الشبيبة، وكأنه الفجر الذي بدد حلكة الظلام، ولم نشعر بالوداد في المباراة إلا بعد أن تلقى هدفا، فأرغد وأزبد وخلق في خمس دقائق من فرص التهديف للتعديل أكثر بكثير مما خلقه في 88 دقيقة من اللعب.
مسخ شخصية البطل، توريطه في منظومة لعب لا تتطابق مع ممكناته، المبالغة في الإحتراس، هذه كلها مسببات خسارة لا يتحمل مسؤوليتها شخص آخر غير المدرب التونسي المهدي النفطي، الذي أدخل نفسه بؤرة الشك والسؤال، فإما أن يبرئ نفسه من تهمة تبذير إرث الوداد، وإما أن يحرر على الفور من تلقاء نفسه وثيقة الإستقالة ويرحل بلا ضجيج.
وكان منعشا للقلب ومريحا للخاطر وقد تعكر بما شاهدناه في الجارة الشرقية مع الوداد، أن يأتي الرجاء الرياضي بمباراة مرجعية أخرى للصورة والمظهر اللذين أصبح عليهما النسور الخضر مع مدربهم التونسي منذر لكبير، فلم يكن الفوز على سيمبا العنيد بميدانه وأمام 50 ألفا من مناصريه بثلاثية نظيفة، إلا دليلا أقامه الرجاء على أنه أكمل ورش التحيين، بخاصة بعد خماسيته في مرمى فايبرز.
يحقق الرجاء العلامة الكاملة بتحقيق فوزين، ويشترك في ذلك مع ماميلودي صنداونز ومع الترجي التونسي، لكنه ينفرد بكونه الوحيد الذي سجل 8 أهداف في المباراتين معا، ولهذه الكوريدا الهجومية، التي يقابلها مرمى عذراء بكلين شيت في 180 دقيقة لعب، ما يبررها في منظومة اللعب التي أعتبر مستجدها التكتيكي أكبر بصمة لمنذر لكبير، فالرجاء لم يتخل عن سيمفونيته الجميلة (تيكي تاكا)، التي كانت كثير من الأهداف الثمانية تعبيرا عنها، ولكنه أضاف إليها أكبر أسلحة الكرة الحديثة، الضغط العالي الذي يساعد على الإسترجاع السريع للكرة، وكلنا يعرف أن إتقان هذا الحصار المتقدم لا يكون إلا بوجود أدوات بشرية وفنية وعلى الخصوص بدنية.
إن كان منذر لكبير وجد الوصفة التي تبقيه زمنا مع الرجاء، فإن مواطنه المهدي النفطي أطال مخاض ميلاد لمسته التقنية مع الوداد، وكلنا يعرف أن الزمن والجماهير والنتائج الجيدة هي مشانق تطوق عنق كل من يأتي لتدريب الوداد والرجاء.