ما أخطأنا وما خاب حدسنا، ونحن نجزم أن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم ما أخذت كل ذلك الوقت في قراءة المشهد الكارثي والفضائحي الذي تصدر نهائيات بطولة إفريقيا للاعبين المحليين التي أقيمت بالجزائر، إلا لأنها وقعت في حرج كبير ولا تجد لا القوة ولا الحيلة للإذعان لروح القانون ومواجهة الخروج الفاضح عن روح وجوهر البطولة بالحزم والصرامة التي تقطع دابر كل محاولة للمساس بهذه القوانين.
تمخض الجبل ليلد بلاغا محتشما خرجت به الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم على الملأ، يعطينا خلاصة ما وصلت إليه التحريات والتحقيقات، يعفي المغرب من كل مسؤولية في عدم مشاركته في النسخة الأخيرة للشان، وينبه الجزائر من مغبة السقوط ثانية في ذات المشاهد التي شابت حفل الإفتتاح، هذا كل ما قدرت عليه الكونفدرالية، وقد اختارت كلمة «التنبيه» دونا عن الكلمات الأخرى التي يفرضها القانون، كلمات من مثل «توبيخ» و«عقاب»، لتظهر مجددا كم هي مؤسسة بئيسة وعاجزة، ولا حول لها ولا قوة، وأسفنا عليها كبير لأنها ملكت بين يديها الفرصة لتسمع للقانون صوتا وللصرامة سوطا، ولكنها أضاعت كل ذلك، وغدا إن تكرر ذات المشهد الفضائحي الذي ساد حفل افتتاح الشان هنا أو هناك، فإنها ستسقط في نظرية السوابق، فكيف يعاقب هذا ولا يعاقب ذاك.
كان من البديهي أن ترفع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عاليا صوت الإحتجاج وقد بلغها ما انتهى إليه حكم الجهاز الوصي على كرة القدم الإفريقية في نازلة الشان، وأن تذهب على الفور لاستئناف هذا الحكم البئيس، دفاعا عن مصالحها ودفاعا عن كينونة مؤسسة الكاف وتطبيقا لحكامة التدبير التي تقول أولى رافعاتها ألا يكون هناك أي تفريط في روح القانون.
أخلت الكونفدرالية الإفريقية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من أي مسؤولية في عدم المشاركة في بطولة الشان، فما رأت أي تهمة تستوجب العقاب كما هو منصوص عليه في نظام البطولة، ولعلها جاءت هنا بجملة قانونية مبتورة أفقدت الحكم روحه، فإن جزمت الكاف بألا مسؤولية للجامعة في حادث استحالة المشاركة، كان من الضروري أن تدلنا عمن يكون المسؤول وأن تعرضه للعقاب حتى لا يكون هناك في المستقبل أي عود، والحال أن الجامعة رأت بأن منتخبنا الوطني حرم من المشاركة في الشان بسبب عناد وإصرار ومكابرة من قبل منظمي هذه البطولة بالجزائر، عندما رفضوا منح طائرة الخطوط الملكية المغربية لكرة القدم الناقل الرسمي للمنتخبات الوطنية الترخيص لدخول الأجواء الجزائرية المحظورة على الطيران المغربي.
ولأن الكاف تساهلت لحد الإستخفاف مع هذه النازلة، وقد كان لزاما عليها التقيد بما هو موجود في اللوائح، فإن الجامعة ترى اليوم أن أيا من المنتخبات الوطنية لن يستطيع التواجد في بطولة قارية أو إقليمية تقام على أرض الجزائر، لأنه لن يكون مسموحا له التنقل على متن الناقل الرسمي، وفي ذلك ضرب صارخ لمصالح كرة القدم الوطنية، ولست أدري كيف ستعامل الكاف غدا رحلة المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة إلى الجزائر للمشاركة في نهائيات كأس إفريقيا للأمم المؤهلة لكأس العالم، إن واصلت السلطات الجزائرية تعنتها وعنادها ورفضت تسليم طائرة «لارام» الترخيص لدخول الأجواء المغلقة.
يفعل المغرب ما يستطيعه لكي يصل إلى عمق قارته الإفريقية، بمشاريع تنموية تتقاسم فيها الأطراف الربح الاقتصادي والإجتماعي، بلا غطرسة وبلا تحقير وبلا أدنى مص للدماء، ويمضي المغرب في طريقه لتنزيل سياسة «رابح رابح» مع دول القارة، غير آبه ولا مكترث بالتحرشات والمناورات التي يحيكها من حوله كل من أرادوا الإستفراد زمنا أطول بخيرات إفريقيا، وحتما لن ينقطع أبدا عن مساعدة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم في إنقاذ حلم الملايين من الشباب الأفارقة في صناعة مستقبل سعيد، فهو مساعد للكاف لا نافذ فيها، صانع لسعادة الآخرين لا باحث عن مصالح ولا آكل لعرقهم، متموقع بشكل جيد في المؤسسة لكي يرفع من قدر حكامتها، وإن فعل ذلك لم ينتظر من أي كان لا جزاء ولا شكورا، إلا أنه مع كل شعور منه بأن مصالحه تزعزعت، وبأن هناك من يتخيل مجرد التخيل أنه يمكن أن يتنازل، فإنه بالقطع سيتحول إلى الأسد الذي إن رأى الآخرون أن أنيابه برزت فليس معنى ذلك أنه يبتسم، فلا باب يمكن أن يفتح ولا نقاش يمكن أن يطرح، كلما تعلق الأمر بقضايا وطنية منزهة عن كل حوار، وفي مقدمتها قضية صحرائنا الغالية التي هي جزء لا يتجزأ من وطن هو ثالث أضلاع شعارنا المقدس.
اليوم تعرف الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم في أي منزلق وضعت نفسها بحكمها البئيس الذي خلصت إليه، وتعرف في مهب أي ريح وضعت مصداقيتها، ولعلها تعرف أيضا أن القانون هو كالشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى إلا إذا أريق على جوانبه الدم.
هكذا نحن نعطي بلا من ولا أذى، ولكننا لا نسمح أبدا لأحد بأن يضحك علينا..