لم يكن الرجاء الرياضي بحاجة لأن يستنفر قوته البشرية الضاربة، عند مواجهة نادي سيمبا التانزاني في ختام جولات دور مجموعات عصبة الأبطال، وقد أمن قبل ذلك تأهله للدور ربع النهائي متصدرا للمجموعة الثالثة، خاصة وأن مواجهة الفريق التانزاني تبتعد بأيام قليلة عن الديربي البيضاوي الذي سيكون بمثابة مباراة نهائية للنسور الخضر. لكن منذر لكبير تعمد اللعب بالتشكيل الثابت لديه، ليعيد أساسييه لأجواء التباري بعد النافذة الدولية التي فرضت على كثير منهم عطالة مؤقتة، وليحقق الرقم الصعب الذي لم يبلغه أي فريق في دور المجموعات، الوصول إلى النقطة 16.
وبدا منذر محقا فيما ذهب إليه، حتى لو أن الأمر ينطوي على مخاطرة، في حال ما إذا أصيب أحد لاعبيه لا قدر الله وابتعد عن الديربي، فقد عانى النسور كثيرا في الثلث الأول من زمن المباراة، نتيجة لرغبة سيمبا في تحقيق نقاط الفوز، ونتيجة أيضا لما يعتري الإيقاع التنافسي من اختلال نتيجة التوقفات الإضطرارية، قبل أن ينهوا المباراة وهم بأكمل جاهزية تنافسية، دل عليها فوزهم بثلاثية وحالة الإرتياح المعنوي التي كان عليها اللاعبون، فالفوز من أجل تلك الآلاف من الجماهير العاشقة، هو غاية لا تعلو عليها أي غاية أخرى، حتى لو كان التحضير بذكاء للديربي الحاسم.
لماذا هو ديربي حاسم للرجاء الرياضي؟
لأنه ببساطة سيكون مؤثرا على مستقبل الفريق في رهان البطولة، فالفوز سيبقي الأمل كبيرا في المنافسة على لقب بطولة تدخل الثلث الأخير لها، أما الخسارة فستعدم نسبة مائوية عالية من الحظوظ، لأن معنى ذلك بكل بساطة أن الرجاء حال خروجه من الديربي 134 خالي الوفاض، فإنه سيتأخر عن الغريم الوداد ب12 نقطة، وسيبتعد عن المتصدر الحالي الجيش الملكي ب14 نقطة في حال فاز العساكر على شباب المحمدية.
ويحتاج الرجاء أكثر من الطراوة التنافسية التي استعادها في مباراة سيمبا، إلى أداء جماعي نموذجي، يقدم النسور في البطولة بوجه مختلف عما شاهدناه في الجولات الأخيرة، حيث كان التثاؤب والتشنج التكتيكي كبيرين، بخاصة وأن من يقف في مواجهة الرجاء، فريق ودادي هو الآخر أنهى دور المجموعات بشكل مثالي، عندما سمحت له الثلاثية الرمضانية أمام شبيبة القبائل الجزائري، بالتأهل للدور ربع النهائي، كما هي عادته في السنوات الأخيرة، متصدرا لمجموعته.
ليس هذا فقط، بل إن الوداد الرياضي في نسخته مع الإسباني كارلوس غاريدو أكثر جمالية واحتفالية وحتى هجومية من نسخته مع التونسي المقال المهدي النفطي، وعندما يقبل الوداد على الديربي فإنه يسأل منه الفوز، أولا لإسعاد جماهيره وثانيا للبقاء لصيقا بالجيش الملكي في السباق المثير نحو درع البطولة.
ولأن أي فريق هو لمنافسه كتاب مفتوح، ولأن الديربي حالة استثنائية في أي من أزمنة الفريقين، فلا حاجة للحديث عن تحفيزات استثنائية، لطالما أن الديربي هو نفسه وقود للاعبين، يحرك وجدانهم ويرفع شكيمتهم ودرجة تركيزهم، على غرار ما تشهده المدرجات بين الأولترات المناصرة للغريمين، والتي تجعل من الديربي يوم عيد لها، تصدر فيها أحدث ما تجود بها القرائح من صور تعبيرية رائعة عن الحب والتعلق بالفريق، رمزا وتاريخا ومرجعية.
ولأن الديربي في كثير من نسخه الأخيرة، كان يجري في وقت زوالي بسبب الترتيبات الأمنية التي يقف في مقدمة هواجسها وانشغالاتها، إزالة أي احتقان من محيط الديربي، فإن إجراءه مساء لتزامنه مع شهر رمضان الفضيل، يمثل حالة استثنائية، نتمنى أن يتم التعامل معها بروح المواطنة، وبالإنتصار لقيم الديربي الكثيرة، وأن يسلم محيط مركب محمد الخامس، بل ومدينة الدار البيضاء بكاملها، من أي شغب كيفما كان نوعه يعكر صفو الجمال الذي ينفرد به الديربي ويخدش صورته الجميلة التي تجعلنا نذكره عيدا لنا نحن المغاربة، قبل أن يكون عيدا للغريمين ولمدينة الدار البيضاء.