يهزنا حادث وفاة نورا المشجعة الرجاوية جراء التدافع الرهيب الذي شهدته بوابات مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، ساعتين قبل انطلاق مباراة الرجاء والأهلي، فلا نرى مذاقا لأي حديث عن مشهد التأهل القيصري للوداد إلى المربع الذهبي لعصبة الأبطال أمام سيمبا التانزاني، وعن فصل الحزن الجديد الذي عشناه مع الرجاء وهو يكرر سقوطه أمام الأهلي المصري، بذات الرعونة والهشاشة التي بها سقط من الدور ربع النهائي لنسخة العام الماضي.
خرجت نورا من بيتها صباح يوم السبت، بقلب أخضر، تهفو كعادتها منذ أن كانت طفلة، لأن تتواجد مع الآلاف من محبي النسور في مركب الرعب لصناعة وجه جديد لاحتفالية المناصرة، فهي كغيرها، شعرت بأن الرجاء بحاجة إليها، فما منعها حابس ولا صدها هاجس، ترجلت من المحمدية إلى الرباط، سعيدة بيومها، وما كانت تدري أنها خرجت من مدينة الزهور ولن تعود إليها إلا محمولة على نعش، الجثة هامدة والروح انتقلت لبارئها وعائلتها بفداحة المصاب مكلومة، لا تدري كيف يمكن أن تصرف الحزن على أن نورا الزوبير رحلت عنها في يوم كانت تراه عيدا بإطلالة هلال الرجاء.
فما الذي حدث، في ذات السبت الجنائزي؟
كانت نورا تتهيأ كما المئات بل الآلاف من المناصرين الرجاويين، الذين حضروا لمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، ساعتين قبل انطلاق مباراة الرجاء الأهلي، لتتواجد في مسرح الحلم، لتتفاجأ كما هؤلاء أن أبواب المركب أغلقت، وما عاد مسموحا لأحد بأن يدخل، أكان حاملا للتذكرة أم لم تكن أصلا بحوزته، بحجة أن الملعب امتلأ عن آخره، ولم يعد به ولا مكان فارغ.
طبعا ما كان كل هؤلاء ليقبلوا بحجة يرونها واهية وظالمة، فكيف يستصيغ أحد منا أن يمنع من الدخول لملعب وبين يديه تذكرة عليها رقم مقعده؟ كيف لكل هؤلاء أن يقبلوا بعدم مشاهدة مباراة تهيبوا وتهيأوا لها لأيام بل واقتنوا تذكرتها من وقت بعيد؟
زحف الغضب من إصرار المنظمين على غلق الأبواب، ساطعا إلى قلوب الممنوعين من الدخول، فهاجوا وهاجموا الأبواب المغلقة، فقابلتهم السلطات الأمنية بوازع الوقاية والحيلولة دون وقوع الكارثة، قابلتهم بمياه قوية ترسلها الخراطيم لتشتيت كل هؤلاء، تداس نورا كما الكثيرين تحت الأقدام تحت وطأة التدافع الرهيب، تسقط صريعة فلا تغاث، تحمل بعد ذلك للمستشفى بحسب الروايات، فإذا هي جثة هامدة، لقد فارقت نورا الحياة وهي لا تدري أن الرجاء الذي من أجله خرجت صباح السبت متدثرة بلباسها الأخضر، نسف الأحلام وغادر عصبة الأبطال من دور الربع على إيقاع الحزن والوجع وهو يعجز عن رد دين هزيمة الذهاب للأهلي.
والحادث المروع والمفزع، الذي هو نهاية مأساوية لتدافع مهول أمام بوابات «دونور»، يجب أن يكون موضوع تحقيق عميق لا تغطية فيه على المتسببين والضالعين، ولا تلهية بعده للرأي العام ببيانات زائفة وتعويمية.
لابد أن نسأل، لماذا منع حاملو التذاكر من الدخول للمركب في مباراة الرجاء والأهلي كما في مباراة الوداد وسيمبا؟
وبفرض أنهم منعوا لأن الملعب امتلأ عن آخره، فمن ملأه أصلا؟ هل كانوا كلهم من حاملي التذاكر؟ أم أن هناك تزوير للتذاكر، لم تستطع آليات المراقبة في بوابات المركب أن تضبطها؟
إن هذا الذي حدث بمناسبة المواجهتين القاريتين للوداد والرجاء من تدافع وفوضى وإلحاق ضرر نفسي ومادي بأشخاص منعوا من الدخول وهم أصحاب حق، ليس بالقطع حالة معزولة، بل إنه استمرار لما أصبحنا نسميه ب«فيروس التذاكر»، نجتره منذ سنوات ولم تنفع معه لا بوابات إلكترونية ولا رادارات كاشفة ولا حواجز أمنية، شاهدنا نسخة مطابقة منه خلال مواجهة الرجاء للأهلي الموسم الماضي، وشاهدنا جنسا «متطورا» منه بقطر خلال مباريات فريقنا الوطني بكأس العالم.
فهل سيطول صمتنا على كل هذه المآسي، نحن من قد نكون منظمين لكأس العالم 2030 وقبلها لكاس إفريقيا للأمم 2025؟
هل سنواصل إجترار نفس الضوابط الهشة التي تنظم عملية الدخول للملاعب، إلى أن تحدث كارثة أفظع مما شاهدناه يوم السبت لا قدر الله؟
إن تنظيم الفضاءات الرياضية التي تشهد تجمعات بشرية، لا نشهدها في فضاءات أخرى، قبل أن يكون مسؤولية أمنية، هو مسؤولية مواطناتية، لا يجب التلاعب فيها ولا الإستخفاف منها، بل وجب محاسبة ومساءلة ومعاقبة كل من أخل بها، فهذه أرواح ناس يا سادة.