ليست بي حاجة لأنتظر تتمة السفر الرائع لأشبال الأطلس في مونديالهم الإفريقي، وهم يقفون على عتبة النهائي التاريخي مواجهين صغار أسود التيرانغا، حتى أكتب هذا الذي كنت مقتنعا به منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد وجدت ما حدث بالجزائر، وصغار الأسود يعبرون بعد ربع نهائي ملحمي إلى كأس العالم، التي ستكون الثانية للمغرب على مستوى هذه الفئة العمرية، دليلي لكي أتقاسمه معكم.
طبعا، جميعنا كان سعيدا بأن تحقق لهؤلاء الفتية الصغار حلم اللعب بكأس العالم، وقد عبروا في طريقهم لتحقيق هذه العالمية الكثير من الأدغال والأحراش، بخاصة وأن هذا التأهل يعطي الدينامية المرجوة للإنجاز التاريخي للفريق الوطني بمونديال قطر، كما أنه يبرز نسبيا الطفرة النوعية التي حدثت على مستوى سياسات التكوين، التي لا رهان على قارية ولا على عالمية كرة القدم الوطنية من دونها.  
لكن ما أريد أن أخص به هذه الزاوية هو شخص الإطار التقني الوطني سعيد شيبا الذي أشرف على إعداد هذا المنتخب الشاب من الألف إلى الياء، بكثير من نكران الذات ومن التواضع، ومن إبداع وضعيات تقنية وتكتيكية وحتى ذهنية جعلت هذا الفريق يعبر عن فكر مدربه أولا وينجح ثانيا في مقارعة مدارس إفريقية مشهود لها بالبروز عالميا في مثل هذه الفئات، ويقدم ثالثا ذات الهوية التكتيكية التي أبرزها منتخبنا الأول بمعية وليد الركراكي.
خجولا كما هي خصلته، أطل سعيد شيبا على مجال التأطير التقني، فور اعتزاله اللعب بعد مسار كروي كلاعب يليق به مبدعا وخلاقا وملتزما.
الخجل هنا يرمز إلى الحياء الذي هو مقوم أساسي في شخصية سعيد، فإن شعر الرجل أن ما يقدم عليه مدربا لا يتواءم مع شخصيته وقيمه، تراجع وانزوى في صمت، وما انخرط في مواليد الشطح والردح ولا وقف باكيا ومنتخبا أمام الأطلال.
بعضنا كان يلوم سعيد على ذلك، يطلبه أكثر جسارة وأكثر صرامة، وأكثر مرونة لتطويع مجال رياضي ملتبس، قليل ممن فيه حكماء وكثير ممن يوجدون فيه حمقى ومجانين ومزاجيين.
وما استطاع أحد من زملاء سعيد برغم حميمية العلاقة، أن يغير من طباعه وخصاله، وعندما استقطبته الإدارة التقنية الوطنية، وجدت فيه الإطار الذي يلبي كل الحاجات المطلوبة في المربي، الكفاءة التقنية والنظرة الثاقبة والكاريزما العالية والحكمة في إدارة فريق العمل، وبعيدا عن أي بهرجة، إنخرط سعيد شيبا في عمله القاعدي وهو يتولى تدريب واحدة من أصعب الفئات الصغرى، فئة أقل من 17سنة، والتي تتطلب مهارة عالية في استخراج الجواهر الفنية المكنونة، ومهارة أعلى في ترويض الصغار وجعلهم يلعبون بقلب واحد وبروح واحدة، وكاريزما عالية تصور المدرب في عيون هؤلاء الصغار والدا وهاديا لطريق الأحلام.
كانت أولى خرجات سعيد مع أشباله، وقد تحول في أعينهم إلى معلم ومربي وأب، بمناسبة كأس العرب بالجزائر، والتي ستشهد نهاية درامية، فقد خسر الفتيان مباراتهم النهائية أمام الجزائر وتعرضوا لعنف جسدي ولفظي، كان لابد من رجل حكيم يزيل ندوبه ووشمه وآثاره السلبية، فنجح شيبا في جعل ما حدث نارا تأججت بداخل اللاعبين لتصنع لهم نور الأمل، بدليل أنه لما عاد للجزائر بفريقه ليبحث هناك عن بطاقة العبور لنهائيات كأس إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة، عاد قويا ومتحديا وجسورا، فكان التأهل المستحق الذي لم تطله ذرة شك واحدة، وكان الظهور الذي أكد أن الأشبال تعافوا من الرهج الذي أصابهم.
وعندما دخل هؤلاء الفتية كأس إفريقيا للأمم بالجزائر، ما رتبوا بحكمة أهدافهم، إلا لوجود مدرب علمهم ذلك، فأنجزوا المهمة الأولى بأن تأهلوا من دور المجموعات متصدرين لمجموعتهم، وأتموا المهمة الثانية، وكانت الأصعب على الإطلاق، بأن هزموا منتخب الجزائر المدعوم من قرابة 20 ألف مناصر، بثلاثية نظيفة ترمز للإستحقاق الفني والرقمي، وغدا عندما يطل هؤلاء الأشبال على المونديال، سيعرفون من دليلهم ومعلمهم سعيد كيف يكون التعامل مع حدث بمثل هذه الكونية، حدث يعيشونه بكل جوارحهم، ليصنعوا منه تاريخا..
أما نحن، فما أسعدنا بسعيد يأتي بعد وليد ليغمرنا بفرح جديد..
الآن ولد في أعيننا مدرب يليق بنا أن نحلم معه، إسمه سعيد شيبا.