باتت جموع الرجاء الرياضي أشبه بالمواجع، لا تخلو من شكوى وأنين، ولا يغطي أفقها غير الخوف، ولا لون يسود المكان إلا السواد، ومن اشتعال التوجس، يخرج السؤال مرتجفا: «هل يستحق الرجاء هذا؟»
بالقطع لا يستحق الرجاء أن يكون زمنه الحالي محمولا على كل هذه الأوجاع، ألا يستقر في دفته التسييرية رئيس، وألا يستمر في دفته التقنية مدرب وأن تتغير تشكيلته كما يتغير الطقس في المناطق الإستوائية، حر فصقيع ثم شمس فمطر.
قدم عزيز البدراوي في خرجة إعلامية أخيرة ما يشبه براءة الذمة، قال في شعب الرجاء خطبته الأخيرة التي برأ فيها نفسه من كل ما قد يعلق بجلبابه وقرر ترك المركب، آسفا أو سعيدا، مجبرا أم راضيا؟ هذا لا يهم.
كان الإعتقاد كبيرا أن يكون عزيز البدراوي وقد بدا أنه صنيعة الجمهور، هو رجل المرحلة الذي يحتاجه الرجاء في ظرفيته العصيبة هاته، فما كشف عنه الرجل من مخططات مستوحاة من الإجماع الأخضر، أقنعنا فعلا بأن المقاربة صحيحية والملجأ صحيح والإختيارات صحيحة، برغم أن البدراوي سعى لأن يكون رئيسا من طينة زمنه، أن يصرف بسخاء، أن يفتح الصنابير وأن يهب للبحث عن الرعاة وأن يتكلم معنا بلغة الوسائط، التدوينات التي تظهر بأن الرجل لا يرضى أن يداس له على طرف، ولو أنه بالغ في ذلك قليلا، لأن في حياة رجال يقودون فريقا مثل الرجاء، يكون الصمت والتجاوز وغض الطرف أحيانا حكمة أبلغ بكثير من الردح والتناقر.
ونجح البدراوي في تحريك بعض من المياه الآسنة، نجح في التخفيف من آثار الأزمة المالية التي يجترها الفريق منذ سنوات، أحدث ثورة على مستوى التشكيل البشري، برغم أنه بالغ في ذلك، لكنه ككل رئيس فريق، وككل مدرب، لا يمكن أن يحاكم إلا بالنتائج، فإن ساءت النتائج ما عاد مهما في أعين المناصرين والأحباء أن يكون الفريق قد قلص مديونيته وأن يكون غير قوامه البشري وأن يكون قد ربح خطوات كثيرة على درب الهيكلة وإعادة البناء، وتلك ثقافة لا يمكن أن نتهم بأننا نحن المغاربة حملتها من دون شعوب العالم، فلعلكم تابعتم الإنقلاب الكبير لجماهير باريس سان جيرمان على رئيسه ناصر الخليفي وعلى أساطيره، ميسي ونيمار وراموس بعد الخروج الصاغر من عصبة أبطال أوروبا.
لم ير إذا عزيز البدراوي مجالا ولا قدرة على البقاء رئيسا للرجاء وهو بالكاد ينهي شهره الحادي عشر من ولايته قوامها أربع سنوات، ولم تنفع كل وساطات الحكماء في صرفه عن قراره، وسواء كان اقتناعا من عدم جدوى الإستمرار أو «هروبا من المعركة» أو «هبوطا مستعجلا من المركب الغارق»، فإن النهاية واحدة والمصير واحد، وهو أن الرجاء يدعى بشكل غير مرتب له ليبحث عن رئيس جديد، رئيس خامس في آخر خمس سنوات، بعد جواد الزيات، رشيد الأندلسي، أنيس محفوظ وعزيز البدراوي، وكلنا يعرف كم هو صعب أن ينتخب قائد جديد لفريق في عراقة الرجاء في زمن الطوارئ، والحال الصعب والشائك يتطلب اختيارا دقيقا لا هامش فيه للخطأ.
ولأن الرجاء استهلك في ظرف زمني قياسي خمسة رجال من قادة الفريق، فإنه سيكون هذه المرة موعودا مع تكرار تجربة سابقة، عندما سيختار برلمان الرجاء بين بودريقة وحسبان وكلاهما تعاقب على رئاسة الفريق بحمولات مختلفة، وكلاهما صدر للمشهد الأخضر أزمة من نوع خاص، ولا أحد على الإطلاق، أكان مناصرا أو متعاطفا مع الرجاء، سيقبل أن يطيل الرجلان في قصف بعضهما البعض على غرار ما حدث سنة 2016، السنة التي استوطنت الأزمة المالية الرجاء وما غادرتها، ولو أن إشارات على ذلك صدرت من الرجلين المتنافسين، في صورة تقريع ولوم وتهكم أيضا.
لا أعلم كيف سيكون جمع الرجاء هذا؟ فإن لم يكن جمع مواجع فسيكون جمع تراشق وردح، ومسؤولية تطهير الرجاء من هذه التراهات تقع على برلمانه، فهو من بيده القرار، قرار ألا يسمح للرجاء مجددا بالنزول إلى الدرك الأسفل.
أعطونا رئيسا تستحقه الرجاء..