بدا المشهد كئيبا بل ومستفزا، والإعلاميون يقفون خلف الأسوار وقد أوصدت في وجوههم أبواب الجمع العام للرجاء الرياضي، عن سبق إقصاء مبرمج لشريك، بل ولحليف قوي لكرة القدم الوطنية بكافة مؤسساتها، ليصدر جمع الرجاء على غير العادة صورة مرفوضة وبدعة هي من الضلالات التي ترمى في النار.
وعندما نأخذ علما بما جرى في الجمع العام للرجاء، وأجواء التوافق التي سادته والسلاسة في تمرير السلطة من البدراوي لبودريقة، يستبد بي السؤال عن الغاية من إجراء جمع عام لفريق يتابع الملايين تفاصيله بأبواب موصدة، من دون إعلام ناقل للحدث، بدرجة ملاحظ وشريك في عملية البناء.
ولا يستطيع أي كان، من الذين فكروا في تحييد الإعلام والحيلولة دون تواجده في موقع الجمع العام، أو من الذين نفذوا التعليمات، أن يصرفنا كإعلام عن الحديث عن المشهد الإنتخابي السابق لأوانه، والذي حتم على برلمان الرجاء الرياضي التصويت على أي من الرئيسين السابقين، محمد بودريقة وسعيد حسبان سيخلف عزيز البدراوي الذي ترجل من غرفة القيادة طوعا وكرها، طوعا لأن لا أحد أجبره على ذلك، وكرها لأنه لم يكن من مخططاته أبدا أن يرحل عن الرجاء وهو بالكاد أنهى الشهر الحادي عشر، أي أنه لم ينه حتى السنة الأولى من ولايته.
وطبعا لم يفاجئنا الجمع العام، وتقريره المالي يرمي بالكثير من الأرقام مسيلة للدموع، في صورة تفاصيل مفجعة لأزمة مالية تراوح مكانها، صحيح أن المديونية لم تزدد انتفاخا على عهد عزيز البدراوي، لأن الرجل عوض عجزا يقدر بمليارين و300 مليون سنتيم من ماله الخاص، إلا أن لا شيء تغير، فما زالت هذه المديونية تقدر بتسعة ملايير، وإذا لم يبادر بودريقة على الفور لفتح الصنابير لتهييء مليارين آخرين، فإن الرجاء لن يتمكن من رفع الحظر المفروض عليه من الفيفا لدخول الميركاطو الصيفي، وهناك حاجة ماسة لعلاج كثير من الخصاص على مستوى التشكيل البشري.
شخصيا، ما كان هذا ليزعجني في المشهد الرجاوي، فالأزمة المالية وإن استعصت على خمسة رؤساء، إلا أن تجفيفها لا يبدو مستحيلا، لأن ما يزعج حقيقة هو أن يدلنا التاريخ القريب للرجاء على حقيقة مفزعة، وهي أن الفريق تعاقب عليه منذ سنة 2016، خمسة رؤساء، سعيد حسبان، جواد الزيات، رشيد الأندلسي، أنيس محفوظ وعزيز البدراوي، ولا أحد منهم أكمل ولايته، فجميعهم أكره على الإستقالة، وطبعا الأسباب مختلفة، وهو أمر مخيف ويدعو إلى استحضار القوة القاهرة التي تجبر كل هؤلاء على النزول من غرفة القيادة، وأحيانا بشكل يدعو للشفقة.
هو أمر واحد يجبر كل هؤلاء برغم رجاويتهم التي لا يطالها التشكيك، على الإستقالة، والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها، الضغط الرهيب من الجماهير التي لا تطيق خروج الرجاء من دائرة التنافس على الألقاب، برغم أن هذه الفترة الزمنية المقدرة بسبع سنوات، عرفت تتويج الرجاء بلقب للبطولة الإحترافية، وبلقبين لكأس الكونفدرالية، وبكأس العرش وكأس السوبر الإفريقي، وبخاصة كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، وهو مشهد لا يمكن القبول به في زمن كروي يقترن فيه التتويج بالألقاب بالإستقرار الإداري والإستقرار المالي.
ومؤكد أن برلمان الرجاء وهو يعيد محمد بودريقة لرئاسة الرجاء، ويفضله على سعيد حسبان، قد حدس جيدا قيمة المفاضلة ونوع القيمة المضافة التي سيعود بها بودريقة للرجاء، وهو العالم أكثر من غيره أن الظرفية صعبة جدا، وأن تجاوزها رهين بوجود ثلاثة أشياء..
أولهما أن يكون بودريقة مستوعبا لحقيقة الظرفية، فلا يعود حاملا لإرثه القديم ولا يستحضر من زمنه السابق بعض الأخطاء التي كانت سببا في هذه المديونية الثقيلة.
ثانيهما أن يمنح بودريقة الهامش الزمني لكي يشتغل في أجواء ترغب في العمل ولا تنفر منه، أجواء تمنح الطاقة الإيجابية وليس العكس.
ثالثهما أن تقدم عائلة الرجاء بكافة مكوناتها دليلا آخر على التكاثف والتآزر والتعاضد، فإن كان بودريقة رئيسا، فكل الرجاويين مسؤولين أمام التاريخ عن إنجاح هذه المرحلة، للقطع مع زمن الوجع والتحجج بالمديونية الثقيلة.
عدا ذلك، مطلوب من بودريقة أن يصالح الرجاء مجددا مع الإعلام وينهي الخصام المفتعل مع شريك ارتفع صوته عاليا في زمن المحن ليبقى الرجاء شامخا رغم عاديات الزمان.