لم يقدم ياسين بونو للعالم، إن مع الأسود في مونديالهم الأسطوري الذي أنهوه بمركز رابع تاريخي، وإن مع ناديه إشبيلية وهو يحلق به للقبه السابع لكأس أوروبا ليغ، إلا ما هو من جيناته الرائعة، من إبداعاته الكبيرة، ما هو ثمرة للثقة العاقلة بالنفس وبالقدرات، وما هو أصل في مبدعي هذا الوطن الذي يقدم للبشرية أبطالا وعباقرة في كل المجالات، هم نسخ أصلية لا تقبل الإستنساخ.
منذ اليوم الذي قال فيه الزاكي بادو، أسطورة حراسة المرمى عربيا وإفريقيا، وقد كان وقتها مدربا للوداد الرياضي، أن ياسين بونو يكاد يكون صورة منه، وأنا على ثقة من أن ما شاهده الزاكي بالعين المجردة، وما حدسه تأسس على معرفة يقينية بتلك الجينات والملكات المختزنة في ياسين والتي ستتطور حجما وسرعة بحسب ما سيظهر على بونو من صبر ورباطة جأش وثقة بالقدرات، وبخاصة الإصرار على معاندة اليأس ومقاومة الإحباط.
لا أحتاج لأن أذكر بالطريق التي مشى فيها ياسين بونو منذ أن جلبه أتلتيكو مدريد ناشئا إلى الليغا، ولا بالمسالك الوعرة التي تخطاها مقتنعا بقدرته على صناعة إسم له في كرة القدم العالمية، وطبعا من دون أن يكون بونو نسخة طبق الأصل من الأسطورة الزاكي بادو، إلا أنه تمثل ذات العبقرية في التعبير عن الذات، وأظنه اليوم تجاوز الزاكي بادو في حجم ونوعية الإنجازات، برغم أنني لم أكن يوما ميالا لعقد المقارنات بين لاعبين تختلف أزمنتهم وبيئاتهم وسياقاتهم.
من أتوا بعد الزاكي بادو من حراس لعرين أسود الأطلس، لم يكونوا في هلامية من توج ثالث أفضل حارس مرمى في كأس العالم 1986 بالمكسيك، بل منهم من لم يسلك نفس طريقه الإحترافي، إلى أن جاء ياسين بونو ليرينا كثيرا مما رأيناه في الزاكي، وما أستطيع أن أكون شاهدا عليه، في ابتداع مسار خرافي جعل منه أفضل حراس مرمى المغرب عبر التاريخ، لموهبة انفرد بها عمن سواه، فياسين بونو الذي انطلق من الوداد صوب الليغا منضما لأتلتيكو مدريد، ويتقلب معارا بين أندية إسبانية صغيرة، إلى أن كان وصوله لإشبيلية مقترنا بطفرة نوعية في مساره، طفرة ليس فيها دخل للحظ، لأنها تحققت لياسين المبتسم بفضل رحلة طويلة من العمل المضني الذي ما قلَّ فيه الجهد ولا كلَّ، والذي ما إضمحل فيه الطموح ولم يفتُر.
وإذا كان ياسين في سنوات النضج قد وصل أخيرا لسدة العالمية، بعد الذي أبدعه مع الأسود في مونديال قطر وبعد الذي فعله مع ناديه إشبيلية في مسابقة أوروبا ليغ التي حقق فيها لقبه الثاني مع زميله يوسف النصيري، ما عاد يخامرنا شك في أن ياسين بونو اقترب من تحقيق ما سبقه إليه قدوته ومعلمه وضوء أحلامه الزاكي بادو، الفوز بالكرة الذهبية الإفريقية للموسم الحالي..
فهل هناك من هو أكثر أحقية منه بهذه الكرة الذهبية الإفريقية خلال الموسم الكروي الحالي؟ 
للأمانة وجب طرح السؤال كالنالي:
هل يوجد بين الأفارقة من هم أفضل من ثلاثة أو أربعة أسود، يستحقون أن يكونوا بين المرشحين لجائزة، أحرزها في وقت سابق أربعة أسود (فرس، التيمومي، الزاكي ومصطفى حجي)؟
بمنطق المفاضلة وارتكازا على الإنجازات والأرقام التي لا تكذب، فإن المغاربة هم الأفضل في موسمهم الذي ينقضي، بحضورهم اللافت في كأس العالم بقطر، وأيضا بإنجازاتهم مع أنديتهم، فهناك من يرشح أشرف حكيمي، وهناك من يرشح يوسف النصيري وهناك من يرشح ياسين بونو، غير أن مباراة نهائي أوروبا ليغ أمام روما، رفعت لمستويات عالية أسهم ياسين بونو، وبات ممكنا الحديث عن أن بين هؤلاء، من تليق به هذه الكرة الذهبية وتتطابق مع موسمه الخرافي، هو ياسين بونو الذي أكمل الفصل المتبقي من الملحمة التي تجعل من ياسين أسطورة جديدة في وطن الأساطير.