لم تكن مباراة طنجة، في هيتشكوكيتها وإثارتها وتعذيبها لمن جلس متابعا لها، إلا صورة من المعاناة التي تكبدها لاعبو الجيش الملكي من أجل القبض على لقب البطولة الإحترافية، الذي ما عرفوا له لونا ولا طعما ولا بهجة منذ 15 سنة.
كان الجيش يخطو بثبات لتحقيق المعادلة الرقمية التي تمنحه اللقب وهو يتقدم بهدفين على اتحاد طنجة، الذي ما أبدى تساهلا ولا تهاونا وهو يجري مباراة بلا ضغوط، بعد أن نجح في تحقيق «معجزة» البقاء، عندما أخرج «المش» محسن متولي أظافره وهو يرمي بكرته كالسهم الحارق في مرمى لكرد حارس الجيش الملكي، محققا التعادل الذي كان يمنح للوداد المتقدم حينها على المغرب الفاسي بهدفين، اللقب، قبل أن تأتي الثواني الأخيرة من الوقت بذل الضائع، بالخبر السار، والجيش يتصيد ضربة جزاء منها سجل رضا سليم ثالث أهداف الجيش، الهدف الذي أعاد اللقب مجددا وبشكل نهائي لعرين العساكر.
لم تكن مباراة اتحاد طنجة، سوى تجسيد للمسالك الوعرة التي مر منها الجيش في طريقه للقب، هو من قاسى من ثلاثة أوجاع متواصلة، وجع الخروج من كأس الكاف، وجع الإقصاء من كأس العرش، ووجع الخسارة بثلاثية من الوحدة الإماراتي، ولم يكن الخناق الذي ضاق بفعل الملاحقة القوية للوداد الذي ما أخطأ يوما في الأمتار الأخيرة، سوى مجسم للضغط الكبير الذي عاشه فريق الجيش الملكي بكل مكوناته في موسمه الإسثتنائي، وتلك إشارات دالة على أن الجيش الملكي إستحق لقبه الثالث عشر منذ سنة تأسيسه، والأول في عهد البطولة الإحترافية.
وغير هذه الإشارات، أرقام لا تكذب، هي ملازمة لبطولية الفريق، منها أن الجيش هو الوحيد الذي حقق الفوز في ثلثي مباريات الموسم، وهو الفريق الذي حقق أقوى معدل تهديفي بوصوله للهدف الخمسين في 30 مباراة، وهو الفريق الذي تفوق على منافسه ومطارده المباشر الوداد الرياضي، عندما هزمه ذهابا بالرباط بثلاثية نظيفة، وعندما انتزع منه نقطة في إياب الكلاسيكو بالدار البيضاء.
ولأن لهذا اللقب الجميل، فرسان وسياقات وملابسات بعضها من صنع القدر، فإن الجيش الملكي قبل أن يكون مدينا للاعبيه ولجماهيره الرائعة بهذا اللقب، فهو مدين لإدارته بأشياء كثيرة.
أول هذه الأشياء، أن إدارة الجيش توصلت قبل ثلاثة مواسم إلى أن مصدر الخلل والمواجع، الذي ترك الفريق رقما سلبيا على هامش التباري، هو المقاربة السيئة عند بناء الهيكل البشري، بمراكمة عدد كبير من الإنتدابات الخاطئة، فتغير المنظور بتغير الرؤية والإستراتيجية.
ثانيها أن إدارة الجيش نجحت بدرجة كبيرة في اختيار الربابنة، فسفين فاندنبروك برغم كل الذي قيل عنه، نجح في وضع هيكل جديد للفريق، فلم يقبل بأي مزايدات في تقدير الخامات الفنية للاعبين المجلوبين، كما أنه كان حاد الذكاء في تصعيد عدد من اللاعبين من مدرسة الفريق، كما أن فرناندو داكروز وضع للفريق البطل أساساته التكتيكية، بل وقاده لتحقيق 16 فوزا من أصل العشرين انتصارا التي بها اعتلى الجيش الصدارة.
وكانت ضربة المعلم من إدارة الجيش، هي تحركها في اللحظة المناسبة لإحداث التغيير الذي لا مناص منه، التغيير الذي فرضته حالة الضياع التقني والذهني التي دخلها لاعبو الجيش من فرط تكالب الإخفاقات، وقد أجادت كثيرا وهي تنفصل عن داكروز، في استعارة العين الثاقبة والفكر الراجح والخبرة الميدانية في صناعة النجاح، عندما اهتدت للمدرب الحسين عموتا الذي أخرج لاعبي الجيش من كهوف الشك، وقادهم لتحقيق 13 نقطة من أصل 15 نقطة ممكنة في الخمس مباريات التي كان مسؤولا عنها.
هنيئا للجيش الملكي بكل فعالياته تتويجه بلقب البطولة الإحترافية، هنيئا لنا بهذه النهاية الجميلة والجذابة لبطولة، إن عددنا لها مساوئ وأعطاب، عددنا لها محاسن أيضا، وتلك حكاية سنعود إليها لاحقا.