عندما نقيس حجم المعاناة التي عبر بها المنتخب الوطني حاجز نصف النهاية، وهو يتأهل للأولمبياد ولنهائي كأس إفريقيا للأمم، بالفوز القيصري والموجع على منتخب مالي، ندرك كم هي جميلة وعادلة ومجنونة هذه الكرة التي تدور حول نفسها فتدور معها رؤوسنا، وندرك أن اللحظات الجميلة والخالدة تولد من رحم العذاب والمكابدة والمعاناة، وأن الطريق نحو الألقاب، هي جبال لا يتهيبها الأبطال، وفريقنا الوطني مشى صابرا في طريق وعرة ليتمكن من حجب الرؤية عن نسور مالية، أفردت أجنحتها حتى أنها أحالت الليلة إلى ظلام دامس، منه تفجرت أكمام الصبح الجميل وهو يؤذن بمولد الفرح الجماعي.
ما كان أحد بيننا يتوقعه نزالا سهلا أمام مالي، وما كان مسموحا للاعبينا أن يتوهموا بأن تلك المباراة كانت تحصيلا لحاصل قوة يتمتع بها أشبالنا ولا يستطيع أحدا أن يلينها، لذلك وقد تأتى العبور التاريخي في موسم تاريخي، تعانق فيه المونديال بالأولمبياد ليكون نجما لكل الأعياد.
بالطبع لا يمكن لفريقنا الوطني أن يقف عند هذا الحد، أن يكتفي بما أنجزه حتى الآن، صحيح أنه أنجز المهمة الأولى بصناعة التأهل الثامن لكرة القدم المغربية للألعاب الأولمبية، لكن تتبقى له مهمة ثانية لا تقل صعوبة، مهمة إن أفلح فيها دخل بالجيل الحالي للتاريخ، إذ سيصبح أول منتخب مغربي يتوج بطلا لهذه الفئة العمرية منذ إحداثها سنة 2011.
ولعلكم تذكرون، أن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وهي تحدث هذه المنافسة المؤهلة للألعاب الأولمبية سنة 2011، إختارت المغرب لأول النسخ وطنا، وخلالها نجح الفريق الوطني في الوصول للمباراة النهائية، بعد أن تخطى في مباراة هيتشكوكية منتخب مصر بالفوز عليه بثلاثة أهداف لهدفين، إلا أنه سيخسر اللقاء النهائي أمام منتخب الغابون بهدفين لهدف، لذلك هو ثاني نهائي يدخله منتخبنا الوطني منذ إحداث المسابقة، والرهان هو تجريد منتخب مصر من اللقب.
قطعا، ستكون مباراة النهائي أمام مصر، قصة أخرى بحبكة مختلفة وبسيناريوهات مختلفة وبتوابل تكتيكية مختلفة، فإن لم يكن منتخب مصر، كأي من المنتخبات التي قابلها الأسود الأولمبيون، غينيا، غانا ومالي، في معدنها الهجومي وفي خاماتها البشرية الممتازة، فإنه سيكون منتخبا بجسارة وجرأة ومقاسات مختلفة، منتخب يجد راحته في اللعب ببلوك نازل بالتزام وانضباط رهيبين عند أداء الواجبات الدفاعية، وبقدرة رهيبة على إنجاح الإنتقال إلى المبنى الهجومي، فما سجله منتخب مصر من أهداف، لا يزيد عن الهدف الواحد في المباراة الواحدة، ولكنه في مقابل ذلك، يظل الفريق الوحيد الذي تمنعت شباكه على كل الخصوم الذين قابلهم.
ومن جميل الصدف التي تضع للنهائي رسما تكتيكيا مثيرا، كون المنتخبين معا يقفان على طرفي نقيض، فإن كان منتخب مصر هو الأقوى دفاعيا، فإن منتخب المغرب هو صاحب أقوى آلة هجومية، فما سجله في مبارياته الأربع، 10 أهداف، بمعدل يزيد عن الهدفين في كل مباراة، وكلما إلتقى منتخبان على طرفي نقيض في المقوم التكتيكي، كانت المناسبة سانحة لنشاهد مباراة جسورة وجامحة، إن عمد المنتخب المصري لإغلاقها بمنظومته الدفاعية التي لا تسقط في الماء، عمد المنتخب المغربي إلى فتحها عنوة بما يتمتع به من قدرة رهيبة على تنويع الأداء الهجومي.
وليس صحيحا، أن النهائي سيكون نفسيا أخف وطأة على المنتخبين معا، وقد تحقق لهما هدف الوصول لأولمبياد باريس 2024، فهذه النسخة، ومن يصل لمباراتها النهائية، لا يمكن إطلاقا أن يتنازل عن حلم الظفر باللقب، وهنا نحن على ثقة من أن الأشبال وقد تعافوا من تبعات نصف النهائي الذهنية والبدنية، لن يهدروا فرصة دخول التاريخ، بأن يكونوا أفضل من الجيل الذي سبقهم، ويهدوا كرة القدم المغربية لقب هذه الفئة الأول من نوعه.