نازلا من جرح عميق وكبير، كبر فاجعة الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب يوم الجمعة الأخير، دخل الفريق الوطني مباراته الودية أمام منتخب بوركينا فاسو بملعب بولار بمدينة لانس الفرنسية، يجتر لوعاته ويغالب أحزانه، لعله يصنع للموجوعين لحظة فرح تخرج من أكمام الحزن.
كانت مباراة الفريق الوطني أمام الخيول مباراة لقهر الحزن ومباراة للإنتصار للحياة، لذلك خرج الأسود للحظة من حرائق الوجع للإنتصار لإرادة شعبنا في معانقة الحياة، ولعل الودية تلك، كانت محمولة على تحديات كثيرة، منها أن الفريق الوطني يريد أن يزرع ابتسامة في محيط البكاء، وكان يتوق رياضيا للعودة لسكة الإنتصارات بعد أن خرج منها كرها في آخر ثلاث مباريات، وكان الربان وليد الركراكي يطمع في أمرين إثنين، أولهما أن يحقق فوزه الأول على منتخب إفريقيا، بعد أن استعصى عليه ذلك أمام الرأس الأخضر وجنوب إفريقيا، وثانيهما، وهذا هو الأهم، أن يستعيد الفريق الوطني روح الإبداع المونديالي التي افتقدها شهر يونيو الماضي عندما قابل الرأس الأخضر وديا وجنوب إفريقيا برسم خامس جولات تصفيات كأس إفريقيا للأمم.
ومع الغياب الإضطراري لثلاثة من الثوابت، حكيم زياش، سفيان بوفال وسفيان أمرابط، سيهتدي وليد لأفضل البدائل، سيضع نوصير مزراوي في مركز الوسط الدفاعي، وسيمنح للوافد الجديد أمين عدلي فرصة اللعب في الرواق الأيمن بديلا لزياش، وسيوكل للزلزولي شغل الرواق الهجومي الأيسر عوضا عن بوفال، ما أبقى الفريق الوطني في شاكلته التقليدية، 4 -1 -4 -1، ولكن التنشيط الدفاعي والهجومي كان هذه المرة أفضل، إذ نجح الأسود في سجن الخيول في منطقتهم، بفضل ضغطهم العالي، بل إنهم سيضعونهم تحت اختبار صريح، جراء تنويع الجمل الهجومية باللعب المباشر تارة وبالهجمة المنظمة المعتمدة على الجوانب المهارية تارة أخرى، وأمكن لنا أن نشهد كيف أن وسط الميدان بعودة أوناحي وأملاح يقدم العديد من الحلول الهجومية، ولو في غياب حكيم زياش الذي يمثل ضلعا أساسيا في العرض الهجومي، ولعل الجملة الهجومية المتقنة التي أثمرت هدف أوناحي الوحيد في هذه الودية، تقيم أفضل دليل على ذلك.
وكما أن عز الدين أوناحي تفنن في رسم القناطر والجسور حتى المستحيلة منها، فإن نصير مزراوي سيجيبنا، وقبلنا سيجيب وليد الركراكي، عن سؤال من يكون يا ترى البديل الأمثل لسفيان أمرابط، فقد نجح الرجل بدرجة الإمتياز في تقلد الدور ولو بمسحات فنية مختلفة، لنكون في واقع الأمر أمام ثلاثي وسط مبدع وجسور في رسم التحولات من الدفاع للهجوم، وفي افتكاك الكرات من المنافس بطريقة ذكية، ولنكون في النهاية أمام عرض كروي مطمئن، يزيدنا اقتناعا أنه كلما كان الوسط رافعة قوية، كلما تحول الأداء الجماعي إلى بنيان مرصوص، ليعطينا هذا العرض الكروي الجميل، الذي توجه الفريق الوطني بفوز يليق به كحامل لمشعل الكرة الإفريقية وكمتصدر لترتيب منتخباتها عالميا.
ولعل خلاصات المباراة الظاهرة والباطنة على حد سواء، قد قدمت لوليد إشارات مطمئنة، فهذا الفريق الوطني قادر على أن يتكيف مع السياقات الإفريقية، لطالما أن الأدغال هنا أقوى بكثير من السلاسل المونديالية.
في النهاية هي مباراة بمثابة إكسير للحياة، هي انتصار على الألم والوجع، وهي تأكيد على أن الأسود هم صناع للسعادة مهما أظلمت الدنيا.