ليلة أخرى حزينة قضتها العاصمة باريس، وملعبها الشهير حديقة الأمراء يشهد سقوطا جديدا لحلم التتويج بالكأس ذي الأذنين الطويلتين، في سيناريو لا يشبه في شيء سيناريوهات سابقة لتهاوي الصرح الباريسي عند الإقتراب من لحظة السعد.

هذه المرة كانت الحسرة كبيرة، لأن باريس سان جيرمان، إن لام الحظ العاثر الذي عاكسه وانتصب أمامه كالجبل المانع للعبور، لام أيضا تدبيره لمباراة العودة أمام نادي بروسيا دورتموند الألماني، ولام نفسه على تفريطه مجددا في بعض الجزئيات الحاسمة.

غير القائم الذي حجب أربعة أهداف والكرة تخرج من رقابة حارس مرمى دورتموند، كانت هناك انتكاسة لمبابي، وكان هناك شرود واضح لعثمان ديمبيلي وسدود بشرية أجهضت كل انطلاقات الدولي المغربي أشرف حكيمي، وكان هناك توفيق رهيب للاعبي دورتموند ومدربهم في اختياراتهم التكتيكية، إذ نجحوا بامتياز في حجب الرؤية على لاعبي الفريق الباريسي.

كان حزننا نحن أيضا، كبيرا على أن أشرف حكيمي كرر للمرة الثالثة إخفاقه في بلوغ المباراة النهائية لعصبة الأبطال مع باريس، هو من كان يمني النفس ليرفع للمرة الثانية أمجد الكؤوس الأوروبية، بعد الأولى له مع فريقه الأم ريال مدريد قبل ست سنوات، وقد زاد الحزن قليلا لما أطلعت عليه في تحليل الصحف والمواقع الفرنسية لهذا الإخفاق الجديد، فلم يتورع أكثر الإعلاميين الفرنسيين في وضع إسم أشرف حكيمي في قائمة المتهمين بضياع حلم الوصول للمباراة النهائية، وقد كان هذا التحامل على طبيعته الغريبة والمحمولة على الدهشة، ضمن دينامية مدروسة للنسف الإعلامي.

بالقطع، لا نشاهد نحن المغاربة لاعبنا الدولي أشرف حكيمي، بعيون أرجوانية وحالمة، حتى لا نرى ما فيه من عيوب، لكن أن يصل الأمر تحميله مسؤولية الخروج المتقاسمة بين الجميع، بشكل مبالغ فيه، وتجسد ذلك، التنقيطات والملاحظات التي يحاكم به أداؤه، فهو ما يدفع للسؤال، هل كان حكيمي في مباراة دورتموند سيئا لهذا الحد حتى ينكل به؟ ما دلت عليه المباراة أمام دورتموند، أن أشرف حكيمي هو أحد أفضل الأظهرة الدفاعية في العالم، إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق، ودليل ذلك ما ينيطه به مدربه لويس إنريكي من أدوار هجومية بعد الدفاعية، إذ يظل من أكبر الحلول الهجومية بل وأكثر من يساهمون في تخصيب العمق الهجومي للفريق الباريسي، ودليله الأكبر، أن مدرب بروسيا دورتموند وهو يهيئ لمعركة حديقة الأمراء، وجه لاعبيه عند العودة للحالة الدفاعية إلى إغلاق الجهة اليمنى والحيلولة دون تسربات حكيمي، وهو أمر نجح فيه لاعبو الفريق الألماني بدرجة كبيرة.

ولأن الأرقام لا تكذب، فإن دقة تمريرات حكيمي خلال المباراة وقد وصلت إلى 123تمريرة، بلغت 90 بالمائة، حدث هذا برغم ما خضع له من رقابة صارمة وصلت إلى حد أن يؤمنها في مناطق خلفية ثلاثة لاعبين من دروتموند، لذلك يتحمل حكيمي إراديا ومنطقيا مع كل زملائه ومع مدربه لويس إنريكي مسؤولية الخسارة والخروج من الدور نصف النهائي لعصبة الأبطال، ولكن لا أحد بين الإعلاميين الفرنسيين يحجب حقيقة أن حكيمي نال من مواقع الرصد المحايدة ثاني أفضل تنقيط داخل فريقه بعد البرتغالي فتينها، ورابع أفضل تنقيط بين 22 لاعبا.

قد تكون هذه العيون الفرنسية التي بها حوَلٌ، سببا في أن يعلن حكيمي خروجه من حديقة الأمراء قبل الأوان، وشخصيا لن يفاجئني ذلك.