إن كان الإعلام المتخصص قد أعطى حينيا رأيه في حصيلة الرياضة الوطنية بدورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها باريس الصيف الماضي، وأجمع في ذلك على هزالة المحصول الذي يصور بلا روتوش ولا مساحيق، الوضع الرياضي الوطني المختنق بالعديد من الإختلالات الهيكلية والإستراتيجية، فقد ذهب الرأي العام الوطني إلى أبعد من ذلك، عندما أطلق نداء المطالبة بمحاسبة من تسببوا في الفشل.

وبين الإثنين، كان لابد من تقييم مؤسسي لحصادنا الأولمبي يصدر عن الأجهزة الوصية على الرياضة الوطنية، قطاع الرياضة داخل الحكومة في مقام أول واللجنة الوطنية الأولمبية المغربية في مقام ثان، مع ما يفترضه هذا التقييم، عند الوقوف على السلبيات من تبني مقاربة جديدة في تدبير الشأن الرياضي، وعلى الخصوص رياضة المستوى العالي.

هذا التقييم المؤسسي، قدمه السيد شكيب بنموسى الذي يجمع بين حقيبتي التربية والتعليم والرياضة في حكومة السيد عزيز أخنوش، وهو يُستدعى من لجنة التعليم والثقافة والإتصال بمجلس النواب، لتقييم المشاركة المغربية في الألعاب الأولمبية الأخيرة، ولا يهمني منه الجانب الرقمي الذي رأى في تحقيقنا لميدالية ذهبية وأخرى برونزية، تطورا في بنية الحصاد، وهو أمر لا نختلف عليه، إذا ما وضعنا في المقارنة ما تحصلت عليه الرياضة الوطنية من ميداليات في آخر خمس دورات أولمبية، ولكن ما يهمني بالأساس، مؤشرات الإختلال والتراجع التي حددها السيد الوزير، في كثير مما يفرقنا علميا وتنظيميا وهيكليا عن الدول التي تتقدم علينا رياضيا بسنوات ضوئية، وأهمها مشكل الحكامة والبعد الإستراتيجي وتكوين رياضيي المستوى العالي.

وقد أجمل السيد الوزير في خطاب التقييم والإستقراء، ما كنت قد حددته غداة المشاركة في الأولمبياد من مسببات التراجع، ولعل أهمها أننا لم ننجح على الإطلاق في تنزيل الإستراتيجية الوطنية للرياضة بشكل يحولها لسياسة عمومية ويضمن أيضا وجود آليات للتنفيذ والمتابعة والتحيين.

لقد كان من رهانات هذه الإستراتيجية التي تمخضت عن تناظر وطني سنة 2008، هو الثاني من نوعه الذي همَّ الرياضة المغربية، أن تفضى الهيكلة الجديدة والعمل الإحترافي بكل الرافعات إلى إفراز نخب رياضية وطنية تستطيع أن تتألق أولمبيا، والحال أن هذه الإستراتيجية التي انتهت صلاحيتها سنة 2020، لم نجن منها أولمبيا إلا ما هو محبط للعزائم ومثبط للهمم وجالب للغم والهم.

ولأن السيد الوزير حدد بدقة مناحي القصور والخلل في المنظومة الرياضية الوطنية، فإن القطع مع هذا الصدع الرهيب، وتمكين الرياضة من تمثل دور الرافعة القوية للتنمية بمختلف تمظهراتها، يفرض اليوم وليس غدا، الدعوة مجددا لتناظر وطني يكون فيه النقاش مؤسسا على معطيات حديثة وجرد موضوعي للمكتسبات وللإختلالات أيضا، ليفضي هذا التناظر الجديد والملتزم بروح العصر، بخاصة عند وضع المقاربات، إلى استراتيجية وطنية جديدة حول الرياضة، تستحضر التوصيف والتعريف العالمي الجديد للرياضة، ويضمن من البداية شروط الميلاد الطبيعي لهذه الإستراتيجية، فنحسن تنزيلها وتنفيذها، حتى لا تخرج من الخيمة مائلة ويكون مصيرها الفشل كما كان مصير سابقتها.