نفتري على أنفسنا الكذب، إذا قلنا أن إعلامنا الرياضي الوطني، جاهز من الآن لرفع التحديات المهنية التي يبرزها تنظيم بلادنا للأحداث الرياضية الكبرى، أو حتى استشراف المرحلة الجديدة التي تتطلب بناء أفق جديد للرياضة الوطنية، لكن لا شيء يقول أبدا، أن هذا الإعلام الرياضي قد وصل حدا من الوضاعة والتدني، وما عاد قادرا لأن يفرز قامات وبذرات وخطابا إعلاميا رياضيا يستوفي كل قواعد الإبداع والتمكين، حتى نشهد على بابه هذه الجمهرة الغريبة، لكائنات تدعي أنها قادرة على تحقيق «الفتح الأكبر»، على مصادرة الوضاعة والتصدي للهبوط الحاد في الأداء المهني للإعلاميين الرياضيين.

نتفق على أن الإعلام الرياضي، أكثر الأجناس الصحفية تعرضا للإختراق والتمييع، بعد سطوة وسائط الإتصال وتزعزع الحصون الإعلامية الكبرى، قد تعرض للكثير من حالات التدليس والتبئيس التي أنتجت انزلاقات تنهى عنها المواثيق المهنية والأخلاقية والتي لا يمكن أن يأتي بها المهنيون الصلحاء، وأحيانا ألبس هذا الإعلام ثوب المذنب رغما عنه، لكن لا نتفق إطلاقا على أن هذا الإعلام الرياضي بات ميؤوسا منه، بشكله، بنوعية تعاطيه، بنقده وبمواكبته للأحداث الرياضية، حتى يصبح ذلك مطية لمن نصبوا أنفسهم «مصلحين»، وأخذوا غصبا وعنوة ما لا يجدر بهم أخذه، أن يعلنوا أنفسهم بناة للإعلام الرياضي الجديد، ولهذا الإعلام قاماته ورجالاته ورموزه الذين يملكون الشرعية والمرجعية ليصلحوا ذات بينهم، وليصلحوا ما أفسده المخترقون ومن لا يستطيبون أبدا، أن يكون الإعلاميون الرياضيون على صوت واحد ومذهب واحد.

للأسف هناك من بخس إصلاح الإعلام الرياضي، الإصلاح الذي يعني تجويد الأداء المهني لربح التحديات الكبرى وتحصين مهنيته للحيلولة دون مزيد من الإختراقات، فرآه لخواء جعبته، مجرد تنظيم فولكلوري للسفريات وإرساء إشارات جديدة يسلكها الصحفيون للدخول للملاعب، وهم في ذلك يقبحون التغيير ويقللون من قيمة الإعلام الرياضي المغربي الذي كان إلى وقت قريب عابرا للقارات بكفاءة قاماته وقياداته، بل ونجح في إبطال الدونية التي كان ينظر بها للإعلام الرياضي في فكر أصحاب المقاولات الإعلامية.

أبدا لم يكن الإعلام الرياضي المغربي المحتفى دوليا وإفريقيا وعربيا بجدارته وعمقه، في حالة من القصور الفكري والمهني ليعيد تنظيم نفسه ذاتيا، ولم يكن هذا الإعلام الرياضي بمئات القامات والمفكرين قبل الصحفيين الذين أفرزهم في أزمنة ماضية، عاجزا عن أن يتخطى بدون مساعدة أحد مرحلة التداخل الفظيع بين المهني وغير المهني، بين المتخصص والمترامي، بين المحترق بنار المهنة وبين المسترزق من التشردم، لذلك لا حاجة لهذا الموسم الفولكلوري الذي انتصبت خيامه من حول بيت الإعلام الرياضي، وانتشر صخبه وتعدياته، لأنه لن يستطيع معالجة العمق المهني لهذا التخصص الإعلامي المركب، فقد اختار من البداية الطريق الخطأ، وما فعل ذلك، إلا لأنه يريد أن يعطي شيئا هو فاقده.

إن ردم الهوة التي تفصل إعلامنا الرياضي المغربي عن إعلام الجارتين إسبانيا والبرتغال، شركتينا في تنظيم كأس العالم 2030، لا يكون بمثل هذه المقاربات الشاردة والشاذة والهشة التي يضج بها اليوم المشهد الإعلامي، من قبل من تفرض دقة وخصوصية الوجع المزمن الذي تعيشه المقاولات الصحفية الوطنية، أن ينكبوا على تلك الأولويات ويخصصوا لها السواد الأعظم من وقتهم، ويتركوا الإعلام الرياضي لأهله الذين هم أدرى من غيرهم بشعابه، ليس في ذلك تنقيصا ولا حطا من القيمة، ولكن إيمانا من رجل مجرب، بأن الإصلاح كما يراه هؤلاء خرج من الخيمة مائلا، لذلك هو مصاب بعاهة مستدامة، مهما تنطع هؤلاء.

إن الإقتراب أكثر من البنية القوية والمتماسكة للإعلام الرياضي بالجارتين الإيبيريتين، وأنا هنا لا أدعي أنه النموذج الأقرب إلينا، يقتضي أن نذهب إلى العمق، إلى منظومة التكوين الإعلامي التي لا يحضر فيها التخصص الرياضي، إلا بنوع من السطحية، وإلى مقاولاتنا الإعلامية، لنؤسس لإعلام رياضي جاد وجيد، يمتلك الفكر والأدوات لكي يكون بجودة تكسبه الثقة والإحترام، وهذا مسلك لا يستطيع أن يسلكه إلا الإعلاميون الرياضيون الذين يستطيعون بالتعمق وبالتفكير أن يبدعوا أنماطا جديدة للتعبير، أما الذين يرون أن التغيير لا يكون إلا بالترهيب والتشهير والتحقير فلا مكان لهم في التاريخ المذكور.