يشعرنا الفريق الوطني في كل لحظة يخرج فيها علينا، أن هناك صعودا متزنا وهادئا في سلم تجويد الأداء الجماعي، بحيث لا يهتز اعتباطا، ولا يسوء بمقدار يثير الإستغراب.
ولو نحن أقمنا قياسا بميزان الأرقام والسياقات، بين مباراة النيجر التي جرت على الأرضية الجميلة والحريرية لملعب الأمير مولاي عبد الله، حيث يستطيع الإبداع أن يتنفس ملء الرئتين، ومباراة زامبيا بملعب ليفي بمدينة ندولا، لوجدنا ما يؤكد على هذا الصعود المتواتر للفريق الوطني في بناء الشخصية، التي تفرض نفسها سواء كان الجو ربيعا أو شتاء زمهريرا، سواء تعلق الأمر بفريق ينصب الحافلة الدفاعية ويلعب بالكتلة المنخفضة، أو بفريق يجازف بالسفر إلى أعالي الجبال، سواء كان الملعب رطبا أو قطعة صلبة لا يفلها إلا الحديد.
ما أنجزه المنتخب الوطني في مباراة زامبيا، وقد لعبها بعد أقل من 72 ساعة من مواجهته للنيجر، مع احتساب الساعات العشر التي تطلبها السفر إلى ندولا، تاريخي، في منظار النتيجة، لطالما أن ما فعله زملاء بونو الذي تسلم العمادة من أشرف حكيمي، المتروك لالتقاط الأنفاس في دكة البدلاء، عجزت عنه أجيال الفريق الوطني التي كانت لها زيارات سابقة إلى لوساكا، وفي كل مرة كان فرو الأسود يسقط بالرصاصات النحاسية.
وكان الإستثنائي أيضا، في ما قام به أسود الأطلس، من منظور الطريقة التي أداروا بها المباراة، وعلى رأسهم الربان «المحصن» وليد الركراكي، أنهم وضعونا أمام الملمح الجديد للشخصية الجديدة، التي تجعل الفرق الإفريقبة تحذرنا وتتوجس منا حتى وهي تلعب في أدغالها، في أجواء عالية الحرارة والرطوبة، وعلى أرضيات تعاكس تماما طريقة منتخبنا في اللعب، طريقة تقوم على التبادل السريع للكرة وعلى الهجمة المنظمة والتنقل بين مفاصل الملعب بالكرة ومن دونها.
وطبعا عندما ينجح الفريق الوطني في تحقيق الفوز، حتى وأن الحافز النفسي ليس أقوى منه عند زامبيا، التي كانت ترى في الفوز، فرصتها لمطاردة الأمل الضئيل للوصول للمونديال، عندما ينجح الفريق الوطني في ترويض وتليين الظروف المعاكسة، لينال كل نقاط المباراة، فهذا دليل على منسوب النضج والثقة، وأيضا على قوة شخصية، ودحض لمزاعم من رأوا في بقاء الفريق الوطني منكمشا بين جدرانه فلا يبرحها، دليلا على أن الحكم بقوة الفريق ليس جازما ولا قاطعا.
وعندما يقول وليد الركراكي أننا ركبنا البراق للصعود عاليا في صرح الإتقان، فهذا لشعور منه، أن الفريق باتت لديه مناعة ضد الإنكسارات المجانية، فكم من مرة قهرتنا الظروف قبل الخصوم، وكم من مرة خسر الأسود مبارياتهم وهم بعد في مستودع الملابس، وأنه يتحصن بأدائه القوي أكان بالأساسيين أو بالبدلاء، لطالما أن ما سيرفع الفريق الوطني مع نهاية السنة الحالية، في استحقاقه الإفريقي التاريخي، هو مجموعته التي لا يوجد انفصام فيها، بين النواة الصلبة وبين أسود الطوارئ.