قبل خمسين عاما أفاق العالم على حدث إستثنائي، سيعتبر لاحقا من أبرز الأحداث الملهمة في تاريخ الإنسانية، والراحل المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، تتفتق عبقريته عن مبادرة سيحتضنها تاريخ الإبداع وتاريخ الشعوب، لتدل المغرب على أكثر الطرق حضارية بل وإنسانية، في استعادة الأرض المفتقدة واستكمال وحدة تراب الوطن.
كانت تلك هي المسيرة الخضراء، التي مشاها 350 ألف مغربي في السادس من نونبر 1975، من الجنسين ومن كل الأعمار نحو مناطقنا الجنوبية، لاسترجاع الصحراء، في يد كتاب الله وفي الأخرى علم الوطن، وكانت الصورة في حينها أبلغ من كل تعبير، فقد أعطت المملكة المغربية الدليل، على أننا يمكن أن ننال الحق ونسترجع الأرض بكرامة محفوظة ومن دون إراقة نقطة دم واحدة.
ومن مسيرة إلى مسيرات، لم ينقطع المغاربة على مدى خمسين عاما، عن المشي وراء عاهلهم المفدي، يستلهمون من «الخضراء التاريخية»، القبس والنور، ويصعدون سلم المجد، تحفزهم روح المسيرة ويوحدهم قسم المسيرة.
خمسون عاما والمغرب في صحرائه يبني ويشيد ويعمِّر، يطلق الإنجازات والمبادرات ويكرم الإنسان ويحتفي بالإبداع.
خمسون عاما والمغاربة يحمون بالغالي والنفيس صحراءهم من طمع الطامعين، ومن حقد الحاقدين ومن مكر المتآمرين.
خمسون عاما والمغرب في صحرائه يتكلم بلغة البناء، حتى غدت تلك الربوع العزيزة من هذا الوطن الجميل، جنة الله فوق أرضه، الرمل بركة والنخيل رمز العزة والشموخ، والأبنية ترتفع لتحقق النماء، وجداول الحياة تنهمر غير آبهة بصلافة الحاسدين، من أرادوا أن يدسوا فيها سما وعلقما.
خمسون عاما والمغرب يحبط المناورة بعد الأخرى، يسقط وهم الإنفصال وأطروحة التقسيم، يجوب دول العالم بالطول والعرض ليزيل من الأعين ما كان عليها من غشاوة.
خمسون عاما والمغرب يترافع أمام محاكم العالم ومنتديات الضمير، من أجل دحض المزاعم  وكسر شوكة الأعداء والإنتصار لعدالة القضية، مع حصحة الحق.
خمسون عاما والمغرب لا يتزحزح قيد أنملة عن مبدإ تابث، مستوحى من قسم المسيرة، مغربية الصحراء خط أحمر، مغربية الصحراء ليست للمساومة أو المفاوضة.
ولأن العالم يستمع لصوت العقل لا لصوت الجنون، وينحاز للمنطق لا للسفاسف والتهريج والسفسطة، ويعتني بالأشجار المثمرة وليس بالأشجار المصطنعة، ويستند إلى الدلائل والحجج الدامغة وليس للترافعات الواهية التي تقادمت واهترأت، فإن الأمم المتحدة ومن بعدها مجلس الأمن، سيصوتان بشبه إجماع على الطرح المغربي، الداعي إلى الحكم الذاتي للمناطق الجنوبية تحت السيادة الكاملة على صحرائه، وفي ذلك سيَفرُق العالم بين وهم الإنفصال الذي تحطمت آخر أسواره، وبين جدية خيار الحكم الذاتي لحلحلة النزاع.
كانت تلك هي هدية العالم للمغرب، أن قرر احتفاء بالذكري الخمسين للمسيرة الخضراء، أن تطوى للأبد صفحة اختنقت بالأكاذيب والأوهام الجزائرية، وتفتح أخرى تدعو إلى طاولة التفاوض، والمبدأ تابث منذ خمسين عاما، «الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه»، ومذهب التفاوض الوحيد الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
هنيئا لنا بالذكرى التي تبرز أجمل مظاهر تلاحم المغاربة وتعاضدهم، وهنيئا لملكنا المفدى ولأبناء شعبنا بهدية الذكرى الخمسينية، صوت العالم الذي ارتفع مجلجلا كصوت الحق، ليقول، ليهنأ المغاربة بصحرائهم، ولتهنأ الصحراء الغالية بمغربها.