مع كل الإختلاف الموجود في السياقات وطبيعة العنصر البشري ودرجة الإستيعاب والفهم والتنزيل، بين المنتخب الأولمبي الذي قاده طارق السكتيوي قبل عام بالتمام والكمال للفوز بالبرونزية الأولمبية، والمنتخب المحلي الذين افتتح النسخة الثامنة للشان بالفوز على أنغولا بهدفين نظيفين، إلا أن هذا الإختلاف مهما كان عميقا، لا يمكنه أبدا أن يعجز كل قياس أو أن يعدو وجود مشترك أو أكثر، لأن ما يصل بين المنتخبين، روح وفلسفة اللاعب، وما حضرت هذه الروح ولا تجلت أمامنا تلك الفلسفة، إلا لأن رمزها وكنهها هو المدرب والناخب الوطني طارق السكتيوي.
لما طرق المنتخب الأولمبي باب طارق قبل ثلاثة أشهر ونيف من بداية الألعاب الأولمبية بباريس، ما تردد الرجل في أن يفتح الباب والقلب والعقل، ليصوغ في وقت قياسي ما بات يعرف اليوم بملحمة المنتخب الأولمبي، الذي عادل أسود الأطلس في بلوغ الدور نصف النهائي، نجح طارق بمقاربة بالغة الذكاء وبمرونة لا تلغي الإلتزام، في جعل مسار المنتخب الأولمبي في الأولمبياد جميلا يسعد الأسود ويسر الناظرين، وقد فعل ذلك بقناعة راسخة لديه، هو من جال ملاعب أوروبا لاعبا لأندية هولندية، فرنسية وبرتغالية، أن اللاعبين هم من يصنعون أنظمة اللعب، بروحهم المهارية وقدراتهم الإبداعية.
وهذا المستوى لا يبلغه أي مدرب، إلا إذا اتسم بالتواضع، الذي لا يصر بعناد فارغ على أن يجعل العربة أمام الخيل.
وعندما سيكلف طارق السكتيوي بتحضير منتخب للمحليين بمبدإ لا تنازل عنه، يتمثل في تكوين هذا المنتخب من مواليد 2000 فما فوق، سيشتغل الرجل بنفس الثوابت التكتيكية التي هي روح كرة القدم الحديثة، كرة التحول والإسترجاع والمزاوجة بين اللعب المباشر والهجمة المنظمة، إلا أنه قبل 48 ساعة من إعلان لائحة الفريق المشارك في الشان، سيصطدم بحقيقة أن نصف الفريق الذي اشتغل معه لأسابيع، تبخر في الهواء، بأن سقطت عنه صفة المحلي، لتوقيع عشرة لاعبين عقودا مع أندية خارجية.
ومع سقوط مبدأ اللعب بلاعبين أعمارهم تقل عن 25 سنة، لتعويض العشرة المغادرين، سيختار طارق السكتيوي من اللاعبين من يستطيعون تمثل فلسفة اللعب التي يحملها في وعائه، وكان النجاح كبيرا، عن الفوز على أنغولا في المباراة الإفتتاحية، لأنه كان فوزا على عديد الإكراهات، ولأنه فوز لإرادة مدرب لا يتعلق بالشماعات ليعلق عليها أخطاء مفترضة.
ما شاهدناه الأحد الماضي، ليس سوى فاصل أول من حكاية نتمناها أن تطول أمام أعيننا، وعندما سيلاقي أسود البطولة يوم الأحد القادم منتخب كينيا المدعوم بجماهيره وبأجوائه وحتى حوافزه الذهنية، سنقف على مهارة طارق في جعل الفريق يتسلح بفلسفة تنسجم مع روحه الجماعية لتبطل مفعول كل المعيقات.
بالتوفيق لأسود البطولة، فكم سيكون جميلا لو واصلوا العزف على وثر الإنتصارات.
إضافة تعليق جديد