كل ما كان يفرزه مشهد البطولة الإحترافية في المواسم الأخيرة، من تقرحات واختلالات بل وتشوهات، كان يدعو عائلة كرة القدم، وبخاصة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أن تنهي المهلة الإستراحمية التي أعطيت للأندية، لعلها تتجاوز ما ظهر على هياكلها من إعاقات، وتستبدل لغة التساهل بلغة التشدد في احترام قواعد اللعب الإحترافي.
تذكرون عدد المواجع التي ملأت المشهد، والأندية تتلكأ في الإلتزام بقواعد الأهلية، فبين أندية تصعد وهي لا تلتزم إطلاقا بكناش التحملات، فلا هي تملك ملعبا قارا لتستقبل فيه، بل إنها لا تملك حتى ملعبا للتداريب، وبين أندية تطلق صرخات الإستغاثة لأنها مثقلة بالديون وعلى رأسها تنزل مطارق النزاعات، وبين أندية تقع تحت الحظر من كل انتداب، ولا تجرؤ على أن ترفع الراية البيضاء، كنا نجتر من موسم لآخر إسفافا لا حدود له، حتى أن السيل بلغ الزبى، وحتى أن هامش الصبر على نوائب الدهر الإحترافي ضاق، وما عاد من مخرج لإسعاف المشروع الإحترافي من الموت في المهد، سوى أن تعلن حالة الطوارئ التي توقف التلاعب باللوائح.
أنفق المغرب سنوات كثيرة في المصاحبة وفي الليونة، منذ أن أعلن أن بطولتنا دخلت عهد الإحتراف، وفي ذلك سبقت الأندية نفسها بردح من الزمن، وكما هي عادة الجامعة، مع التحولات الكبرى التي تميز تاريخ كرة القدم الوطنية، تركت الأندية في معزل عن أي إكراه قانوني، للإلتزام بما يفرضه كناش التحملات، لكننا في واقع الأمر تجاوزنا بكثير المهلة الزمنية التي تعطى في العادة للأندية لكي تدخل فعليا زمن الإحتراف.
وبدا واضحا، أن إطالة المصاحبة والإستزادة في الكياسة، لن يزيد الوضع إلا سوء، ولن يزيد المشروع الإحترافي سوى هشاشة، فتحركت الجامعة لتعلن على الملأ، أنه انتهى زمن التساهل وبدأ زمن الإلتزام باللوائح والإنضباط كليا لأحكام الإنتماء للبطولة الإحترافية، ليس فقط بتقديم ما يشفع لها ماديا بتمثل واجبات الإحتراف من موازنات مضبوطة، ولكن أيضا بالتقيد بأحكام الإحتراف، أن يكون لكل فريق يطمح الصعود إلى البطولة الإحترافية، أن يكون له ملعب مضمن بوثيقة ليلعب فيه مبارياته وملعب ليجري فيه تداريبه، وسيكون هذا المطلب بالنسبة لكل الأندية تعجيزيا، فيما لو لم تنخرط العمالات والجهات الترابية، مع هذا التوجه الجديد، بتمكين الأندية من الملاعب الموجودة في محيطها الجغرافي.
هذه الخطوة «الهيكلية» من شأنها أن تيسر دخول الأندية لنظام الشركات الرياضية، لأن وجود ملعب في ملكية الأندية، تحت أي مسمى تختاره الجهات الولائية، من شأنه أن يرفع سومتها التجارية وحتى الإقتصادية، ليكون سهلا عليها جذب الإستثمارات.
ليس في كل ما صادق عليه المكتب المديري للجامعة من قرارات جريئة وثورية، تعجيز للأندية، أو مصادرة لحلمها في الصعود للبطولة الإحترافية، بل هي قرارات تعزز موقعها في الجهات التي هي تابعة لها، إنها قرارات تحفظ لها كرامتها، وتضع المجالس الترابية المنتخبة، أمام مسؤوليتها في الحفاظ على رمزية هذه الأندية داخل مدنها وحواضرها.