المغاربة الذين احتشدوا في منتصف الليل في المقاهي، يغالبون النوم، حتى لا تضيع عليهم فرصة تكحيل العيون بشبابهم وهم يقفون في مشهد مهيب، والعالم كله ينظر إليهم وهم يبنون مجد الوطن، والمغاربة الذين غلبهم النوم فأغمضوا العيون، قبل أن توقظهم إحتفالات جماهيرية جابت كل مدن وحواضر وقرى المغرب، من طنجة العالية إلى الكويرة العزيزة، هؤلاء وهؤلاء، فتحوا العيون حتى اتسعت الحدقات، لتدرك أن ما انتهت إليه المباراة النهائية لكأس العالم بين المغرب والأرجنتين، لم يكن حلما في الكرى، ولكن كان واقعا، جرده التاريخ، فالأشبال أصبحوا أبطالا للمونديال، والمغرب لأول مرة في تاريخه بطلا للعالم في كرة القدم.

كانت الليلة لجل المغاربة، وهم محتمون في وطن الخير، أو منتشرون كسنابل المحبة في ربوع العالم، ليلة عمر وليلة فخر وليلة ابتهاج بما أفاء الله على هذا البلد السعيد، الذي إن أُعطي أبناؤه الإمكانيات، وإن حُفُّوا بالإهتمام والرعاية، أنطقوا البطولات وكتبوا الملاحم وصنعوا المعجزات، وقدموا للعالم أجَلَّ وأجمل صور قهر المستحيل.
ذات زمن، كانت كل أمنياتنا أن نتواجد في كأس العالم مع علية القوم، إن تأهلنا للمونديال فرحنا واحتفلنا وبيننا شاع الفرح زمنا طويلا، لكن عندما كسر أسود الأطلس السقف الزجاجي، وهم يبلغون نصف نهائي كأس العالم سنة 2022بقطر، كبر طموحنا وأصبحنا نرى التتويج بكأس العالم أملا بعزيمتنا يتحقق، لا حلما في الهواء يتبخر.
مستلهمون لروح البطولية التي صنع بها أسود الأطلس ملحمة المونديال بقطر، شد أولمبيونا الرحال لفرنسا، ليجعلوا من أولمبياد باريس، محطة أولى في محاكاة اللقب العالمي، فكان تتويجهم بالبرونزية، إيذانا من نصف السقف الزجاجي قد تكسر.
ومن وحي الإنجازين معا، مسلحين بعزيمة لا نلين لقهر المستحيل، شد الأشبال الرحال إلى مونديال الشيلي، فأكملوا بأجمل طريقة هدم الجدار العازل، وأصبحوا للعالم أبطالا، وأصبحت كرة القدم المغربية سيدة القارات، وما ترسخت هذه العقلية الإنتصارية، وما تمتع شبابنا بإرادة عالية لركوب الجبال وبلوغ القمم، إلا لأن هناك عملا كبيرا أنجز، أسلوبه مغربي وفلسفته مغربية، وخاتمته هذه الإشادة التي تأتينا بكل لغات العالم، وهذا الفرح الذي يعم شعبا أحبه الله فما حرمه من لحظات السعادة.