راقتني جدا الصور المعبرة التي تناقلتها الأسبوع الماضي جل المواقع والقنوات التلفزية العالمية لأنصار دورتموند وهم يأوون بمنازلهم مشجعي موناكو، وشدني منظر التلاحم والروح الرياضية في أجمل لوحاتها بين جمهورين متنافسين، يتناولون العشاء جنبا إلى جنب ويبيتون في نفس الغرف ويتبادلون الود والإحترام والرحمة. 
إستفزتني الطريقة التي إستجاب بها مشجعو دورتموند لنداء النادي بإيواء الضيوف الفرنسيين، لأجنّن عقلي بأسئلة لحظية بغية تحليل الحوار بين إدارة الفريق والجمهور أولا، ثم كيفية إستجابة الأنصار الصُفر للطلب، وكيف كانت ردة فعل الزوار السريعة بكل وئام وعفوية وطلاقة...
فكرت في الإجابات، وفي خضم التفكير زاغت مخيلتي سهوا لتحط الرحال بمراكش، حيث كانت نيران الحرب قد خمدت قليلا بعد المعارك الطاحنة التي شهدتها مدرجات مركب المدينة في لقاء الكوكب ضد الرجاء، فوقعت دون إدراك في عقد مقارنة لا تصح بين ما سوّقه الرجاويون وما سوّقه الألمان للعالم من صورتين مختلفتين في نفس اليوم وذات الأمسية.
كيف يُعقل أن يذبح أنصار النسور بعضهم البعض ويتطاحنون بشكل مسعور؟ ألم يستفيدوا من مجزرة مركب محمد الخامس قبل عام؟ لماذا يشوهون صورة المغرب وكرة القدم الوطنية؟ لماذا يعشقون إشعال الفتن والسباحة في مستنقعات الدم؟ هل أنساهم الحب المزيف للنادي والتهافت على تزعم الحركات التشجيعية قيمهم الدينية والإنسانية؟ 
نحن أولى بالرحمة والمودة والإخاء من الألمان، نحن المسلمون، نحن من يجب أن نعطي الدروس للنصارى في السلم وإكرام الضيف ونبذ العنف والكراهية، لماذا تآلف الألمان مع الفرنسيين ونسوا تاريخهما الأسود وحروبهما الطاحنة، وجعلوا من الرياضة والكرة موعدا للألفة وبعث رسائل التفاؤل والسلام؟ كيف شعر المغاربة عموما وجمهور الرجاء خاصة حينما رأوا فيديوهات وصورا لعشاق ومحبين من جنسيتين مختلفتين لا يتحدثان نفس اللغة، ولا تجمعهما أي روابط غير الروح الرياضية والقيم الإنسانية، في وقت كانوا هم فيه يتراشقون ويجلدون إخوانهم.
شئنا أم أبينا، الألمان أساتذة العالم في كل شيء، في العلوم والآداب والثقافة والرياضة وكافة المجالات، والدروس التي يلقنونا إياها يجب أن نشكرهم على مجانيتها، وأن نحاول إجابتهم عليها بالتمعن والإستفادة والإجتهاد.
غرقنا في الكسل والشغب وغادرنا مدرسة التهذيب والتربية، لنقتحم أكاديمية الإجرام وبها حصلنا على النقاط الأولى بإمتياز، وتخلينا على التعليم والشعائر والمواطنة لنقف كخصوم في وجه الدولة ومرافقها لتصفية حسابات بطريقة غير مناسبة في ساحة غير ملائمة، إخترنا نهج التقليد الأعمى والتبعية للغرب في الموضة والأمور الثانوية والأشياء السلبية، لنسقط في الفخ الذي وجد فينا الفراغ والسذاجة، حطمَنا النهب ونهشتنا الأنانية وسياسة أنا وبعدي الطوفان لنُرمى في القاع، حيث الأنين والغليان، حيث نبكي ونثير الشفقة.
صور المقاتلين وجثامين المشجعين ودماء الجرحى في المقابر الوطنية باتت مقرفة إلى حد الإشمئزاز، وصور الأوروبيين وهم يتآلفون ويتراحمون في البيوت والمسارح تقصدنا وتلامسنا إلى درجة الإستفزاز، نتوصل يوميا ببرقياتهم الهادئة الفواحة ونجيبهم أسبوعيا بصيحات التهديد الصداحة، يمتعوننا ونرعبهم، يطربوننا فنزعجهم، ودون إستحياء نتحداهم ونعقد المقارنات معهم.
كمغربي أجدني خجولا حينما أسيح بأعيني للضفة الأخرى في جولة إستطلاع لمشاهدة علاقة الأندية الأوروبية بجماهيرهم، وأقف على صلة هؤلاء فيما بينهم ومع لاعبيهم، وأشاهد أسمى صور الإنسانية، وأرفع سمات الروح الرياضية، وأرقى أسس الثقافة الكروية، ثم أقطع هذه النزهة السريعة بحدائق ألمانيا وباقي جيرانها، وأعود لواقع بلدي لأطل على الخراب ومشاهد البؤس والنفور، والمجازر والإقتتال بمدرجات العار، فتنتابني هيستيريا التأفف والتذمر، الحسرة، والكثير من الخجل، لأن جمهورنا المسكين يتوهم مخطئا أنه يملك عقلية التشجيع ويتوفر على خصال الأنصار، وهو الفاقد في جزء كبير منه إلى ثقافة العشق والولاء وقبلهما التربية، فبْون شاسع بين الواثق والمتوهم، وشتان بين الإنسان والإنسانية.