وفجأة تحولت الأنظار صوب الشمال، وبدأ الحديث الغزير عن تحليق إتحاد طنجة الفريد في الصدارة، والإنتفاضة المجنونة للمغرب التطواني في ذيل الترتيب، في مشهد رائع توحد فيه الجاران ليرسمان لوحات الإبداع فوق رمال المتوسط.
الشمال أصبح جذابا للعيون العاشقة للفرجة داخل وخارج الميدان، ومن أراد أن يستمتع بالقتال ويشاهد الجمال فعليه بالذهاب إلى ملعبي طنجة الكبير وسانية الرمل، حيث أزرق البوغاز وبياض الحمامة يتلألآن في الأفق.
كل شيء بات يغري للعب فوق البساط الشمالي، تحت أنظار عشرات الآلاف من الجماهير المتحمسة والمنظمة، والتي أضفت على لقاءات الفريقين رونقا أوروبيا خاصا قلّ نظيره في الملاعب الوطنية، بعدما لبّت النداء دون تردد، وأعلنت الدعم الإضافي المطلق والحضور المكثف داخل وخارج القواعد، في إيثار وتضحية الأوفياء في الشدة قبل الرخاء.
جمهور إتحاد طنجة يخلق الحدث منذ أسابيع بشكل لافت جدا، ويلعب دورا عظيما في صدارة الفريق الإنفرادية للبطولة الإحترافية، ويعطي الدروس المجانية في المساندة المجنونة التي لا تزيغ عن الروح الرياضية والمطالب المشروعة في تحقيق الدرع الأول في خزانة النادي.
أنصار المغرب التطواني عادوا للبيت وعادت معهم البسمة والتلاحم والسعادة، وعقدوا العزم جماعة على التماسك بالأيادي والأقدام ومهاجمة تهديد النزول الذي يقف أمامهم، فشحنوا البطاريات وشرعوا في هزم الكابوس، بسلسلة من الضربات القاضية التي أخرجتهم نسبيا من بؤرة الخطر والإحتضار.
أبناء الشمال أظهروا للكل أنهم ليسوا من جمهور النتائج، ولا يهمهم الترتيب في شيء، بل تزيدهم المعاناة تعلقا وتشبتا بالمدرجات، وتحالفا مع الفريق الذي يعترف بكونهم البنزين الذي يستحيل أن تسير الحافلة من دونه، ويكفي معاينة واقع الحمامة الحالي والأمس القريب لفارس البوغاز في القسم الثاني.
إن كان إتحاد طنجة يمشي مستقيم القامة في الصدارة، ويمتلك الحظوظ الوافرة لإنتزاع اللقب الأول في رصيده، فالفضل لجمهوره الرائع الذي يحفز اللاعبين الشباب بطريقة هيستيرية، ويثق في المدرب المبتدئ لمرابط ليجعل منه قائدا ذكيا وعصاميا، وينسجم مع فلسفة الرئيس والمكتب المسير الصامت والهادئ والمشتغل في الظل بعيدا عن الضوضاء والأضواء.
ولا عجب أيضا إن أفلت المغرب التطواني من مخالب الهبوط في إنتفاضة إياب ولا أجمل، بتوابل محلية محضة وبصناعة رجل المرحلة عبد الواحد بنحساين، الذي نسج خيوط الإرتباط الصريح بفرسانه وفتح لهم قلبه وعقله، في صورة جميلة بخلفية الجمهور التطواني الشغوف والنظيف، والذي يعتبر الإستثناء في المنظومة الكروية المحلية كونه الوحيد الذي يرتبط بصداقات وطيدة مع كافة جماهير الأندية الوطنية.
ما أجمل من كسر روتين الدار البيضاء والرباط والخروج من دائرة السحر وجنون أنصار الغريمين الرجاء والوداد، لمشاهدة إبداع ولوحات جماهير أخرى لأندية بعيدة عن محور الوسط، تنتفض وتتزعم مشهد الفرجة، وتتنافس على الريادة في التشجيع والسعي وراء الألقاب.
ربيع شمالي جميل وإستمتاع أكثر من لذيذ بما يفعله الإتحاد والماط بجميع مكوناتهما، وتعبئة كبيرة من الفريقين لتكون النهاية مثالية، بزواج الموج الأزرق بذهب رمال البطولة، وتحقيق الحمامة لشبه المعجزة بالتخلص من وحل الأنين والتحليق عاليا بأجنحة النجاة.
الإنجذاب لجمال الشمال تمليه الرغبة والتكامل والعزيمة على بلوغ الهدف بأي ثمن، وهو الشيء الناقص لدى المنافسين في باقي جهات المملكة، ومهما كانت النتائج والحصيلة النهائية فكل التنويه والإشادة والتصفيق لفناني طنجة وأبطال تطوان على المعارض والملاحم التي نتمنى أن تستمر دائما، لما فيه من خير وفائدة على الجارين وكرة القدم المغربية.