مشاهد إنسانية راقية وصور معبرة وتاريخية تلك التي غزت مواقع التواصل الإجتماعي الأسبوع الماضي، لأسطورة التنس رافاييل نادال وهو يساهم في عمليات المساعدة والإغاثة لساكنة جزيرة مايوركا الإسبانية التي غرقت بعد فيضان تسبب في عدة خسائر بشرية ومادية.
نادال الذي فتح أيضا أبواب أكاديميته بذات المدينة لإستقبال المشردين وإيواء المفقودين، إستبدل المضرب ب»شطابة» وإنكب على تنظيف بعض المحلات والمنازل والشوارع، وبدا متأثرا ومنهمكا في المهمة الإستثنائية وكأنه عامل نظافة متخصص أو مزارع، في صورٍ معبرة ورائعة أخذها أحد الساكنة عبر هاتفه النقال.
هذا النجم الخارق الذي تبلغ ثروته مئات ملايين الدولارات، لم يلجأ إلى الحل الكلاسيكي والسهل بمنح دعم مالي للضحايا أو قيادة حملة للتبرعات كما يفعل جل النجوم في مختلف المجالات، ولم يتسابق للوقوف وإعطاء التعليمات أمام عدسات الكاميرات، وإنما نزل إلى الميدان وحمل بين يديه مكنسة ومعولا، وشرع في مقاومة الفيضان وإزالة الأشجار والأحجار من بعض المنازل والدكاكين، ودفع المياه بطرق بدائية وبحذاء وحِلٍ وسط أحواض متسخة.
التواضع، الإنسانية، الإيثار، روح التضامن الحقيقي صفات جمعها رافا الإنسان والرياضي، ليحاول رد الجميل ولو بحركة بسيطة وإلتفاتة للمدينة التي أعطته كل شيء، وزرعت فيه القيم التي لم يتخل عنها رغم بلوغه سقف الشهرة والمجد، فبقي وفيا لها بالحفاظ على علاقاته مع الساكنة دون تكبر أو غرور، مفضلا الإقامة مع من ساندوه وترعرع بينهم، عوض الرحيل عنهم وعيش حياة الرفاهية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يفعل النجوم عادة الذين يتنكرون لأصولهم ويغادرونها للأبد.
نادال رقم 1 عالميا في رياضة التنس والأسطورة التي لن تتكرر، أعطى درسا مجانيا في التواضع والقيم والتلاحم الإجتماعي، وكيفية التعامل مع الأحداث خاصة الكوارث والنداءات الإنسانية، وأكد للعالم أجمع أن الإنسان مهما علا شأنه وكبُرت شعبيته وبلغت ثروته، لا يجب أن ينسى أين ومع من نشأ، ولا يبعده منصبه ومكانته عن الطبقات الإجتماعية الفقيرة أو المتوسطة التي كان فردا منها في أحد الأيام.
«شطابة» نادال يجب أن تنظف عقول جل الأبطال الرياضيين كما المسؤولين في المغرب وفي جميع الدول الذين يتجاهلون ما يقع في بلداتهم الصغيرة التي أطلقوا فيها أول صرخة، أو أولئك الذين يمرون بجانب الأحياء والأزقة التي كبروا فيها بسيارات فارهة ونظارات سوداء وذاكرة لئيمة تتعمد النسيان واللامبالاة، أو المشاهير البخلاء الذين لا يكلفون أنفسهم سوى إطلاق «هاشتاغ» بئيس للمساندة، وهم يملكون القدرة والأهلية لتقديم الواجب من أرض الميدان معنويا وماديا وبكل السبل المتاحة.
أعين بعض اللاعبين والمدربين والرؤساء لم تعد تنظر إلى الأسفل، وجنون عظمتهم حلّق بهم إلى سماء التكبر والغطرسة ونكران الأقارب والأصدقاء، بعدما ودعوا عالم الهواية نسبيا دون أن يودعوها على المستوى الذهني والتدبيري والتواصلي، وحتى أولئك الذي حافظوا على العلاقات ويحرصون على المساعدة والزيارات، فأغلبيتهم يسقط في فخ الرياء وإشهار فعل الخيرات، ويوثق اللحظات بفيديوهات وصور أبعد ما تكون عن الإنسانية والأخلاق والسلوك الديني، والبعض لا يلجأ إلى المساعدة إلا من أجل الحصول على مساعدة ومقابل، سواء في إطار إنتخابي أو شخصي غير شريف.
ما فعله رافاييل نادال وقبله السينغالي ساديو ماني وآخرين من نجوم ومشاهير الرياضة بنُبلٍ وتواضع ودون مصلحة، يستحق أن يكون عبرة ودرسا لمن يتوهمون الشهرة المزيفة أو من يقطعون الأيادي التي مُدّت إليهم أيام الفقر والحاجة، فالأخلاق والمبادئ سلوك وتربية يستحيل أن يغيرهما الزمن أو تمحوهما زينة الحياة.