تمر الأشهر سريعا منذ أن جاءنا البوسني خاليلودزيتش مدربا وناخبا، وتتوالى المباريات التي يخوضها أسود الأطلس تحت إمرته، وتتشابه المباريات في تأرجح الأداء، ما بين هشاشة وما بين نصف استواء، كما تتشابه التصريحات التي يطلقها الربان، بخاصة عندما لا تشعرنا المباريات الرسمية كما الودية، بأن الأداء الجماعي تقدم ولو قليلا ليتطابق مع الممكنات الكبيرة للاعبي الفريق الوطني، فهناك لازمة تتردد من وحيد تقول بأن العمل ما زال كبيرا لنصل إلى بناء أسلوب اللعب الذي لا ينحصر في نمطية معينة ولا يبدي قدرة على التطابق مع متطلبات كرة القدم المستوى العالي. ولا مرة اعترف وحيد على نفسه بأنه أخطأ الإختيار أو ضل الطريق أو لدغ من جحر الثقة المفرطة بأسلوب لعب يبدو إلى الآن ورشا عسيرا لا ينتهي فيه العمل. مباراة موريتانيا بنواكشوط، شاهدة على أن وحيد خاليلودزيتش لم يكن من زاوية المستقرئ الفني والمفترض فيه أن يكون قارئا جيدا لطبيعة لاعبيه الذين هو من اختياره، موفقا لا في اختيار التشكيل ولا في اختيار نهج اللعب، فلو نحن اعترفنا له بإلحاحه في طلب الإنتصار من مباراة أصبحت دقائق قبل انطلاقتها شكلية وقد حسم تعادل بوروندي ببوجامبورا أمام إفريقيا الوسطى في تأهل الأسود لنهائيات «الكان»، لغرض إستراتيجي، فإننا بنفس القدر سنلومه على أنه لم يدر بخلده ولو للحظة وهو يقف على الظروف القاهرة التي أحاطت بمباراة موريتانيا، من أرضية ملعب سيئة ورياح قوية تعطل الكثير من الملكات الفنية، أن تلك المباراة لا تصلح لا لزياش ولا لحكيمي ولا للنصيري ولا حتى لمن جاء متحمسا لإطلاق الشرارة الأولى مع الأسود، أقصد منير الحدادي، حتى لا أضيف لكل هؤلاء أملاح وبرقوق، وجميعهم يلعب فوق بساطات من حرير. وقد أحزنني حقيقة أن وحيد، محاولة منه للهروب إلى الأمام وقد خاب ظنه مما رأى، رمى بالمسؤولية كاملة على اللاعبين في عدم تقديم المباراة التي كان يتوقعها، والحال أن أي مدرب في العالم لن يلوم قيد أنملة لاعبا على عدم إبراز مهاراته في ملعب عشبه الإصطناعي سيء، وفي ظل مناخ مطبوع برياح لا تستطيع أشرعة اللاعبين أن تتقي شرها. كان الأجدر بوحيد أن يلقي التهمة على نفسه، لأنه وهو يطلع على أرضية الملعب في الحصتين التدريبيتين، وحتى قبل أن يحضر إلى موريتانيا، بحكم أن تقريرا وضع مسبقا على طاولته، يعدد مساوئ الأرضية، كان الأجدر به أن يعتمد نهجا آخر غير النهج الذي لعب به الفريق الوطني وأن يختار تشكيلا يتطابق مع كل هذه المؤثرات التي تحدثنا عنها وأوردها هو الآخر في سياق تبريراته للخواء التقني الذي جاءت به المباراة. إن ما يجب أن نحتفظ به من مباراة نواكشوط، عدا صورتها المخدوشة وعدا حطامها التكتيكي وخوائها التقني، حقيقة واحدة هي أن وحيد يجب أن يتصرف مستقبلا بشكل مختلف تماما عما فعله في نواكشوط، فإذا لم يكن الفريق قادرا على تنويع الأداء الجماعي ليتكيف مع المتغيرات الإستراتيجية التي تتعلق بمحيط المباراة وليس بالمنافس، إذا لم يكن مالكا للأدوات التي تحكم القبضة على المباراة برغم كل الشوائب والمؤثرات الخارجية، فالأفضل له أن يتنازل قليلا عن عناده وأن يربط كل مباراة برجالها. حدث في عقود ماضية، أن مدربين وناخبين وطنيين كانوا يشكلون «كوماندوهات» لمباريات تجرى على أرضيات شبيهة بأرضية ملعب شيخا ولد بيديا، يحتفظون باللاعبين المبدعين لمباريات العودة بالمغرب، حيث جودة العشب، فعل ذلك الراحل المهدي فاريا مع عزيز بودربالة ومع محمد التيمومي، ولو كان المنتخب الأرجنتيني سيلعب مثلا على أرضية شبيهة بأرضية ملعب ولد بيديا، ما كان مدرب الطانغو قد غامر بليونيل ميسي، لأن للإبداع أحكامه التي إن تمرد عليها مدرب صادف عقوبة رياضية ثقيلة. واليوم، يكون قد مضى على تقلد وحيد خاليلودزيتش لمنصب المدرب والناخب الوطني 17 شهرا، ويكون قد قاد الأسود في 11 مباراة، فكيف نسمح بأن لا نكون قد تقدمنا خطوات فعلية على درب إعطاء الفريق الوطني الأسلوب والأداء الذي يتطابق مع ممكناته الفردية؟ إن كان الخطأ خطأ اللاعبين، وهم من خيرة ما جادت به كرة القدم المغربية ومن أفضل من يحملون عمادة العرب والأفارقة بأوروبا، فمن يتحمل المسؤولية بالطبع هو وحيد لأنه هو من اختارهم، وإن كان الخطأ خطأ النهج التكتيكي، فمن وضع هذا النهج ومن هو رقيب عليه ومن هو مسؤول عن كل التعقيدات التي تصاحبه، هو وحيد وليس غيره. نتمنى لو يعفينا وحيد من سماع ذات الأسطوانة المشروخة بعد كل مباراة، وأن يعمد فورا إلى إنجاز نقد ذاتي يحمل من خلاله نفسه مسؤولية هذه الهشاشة التي تصيب الأداء الجماعي وهذا البطء القاتل في تنزيل هوية اللعب، والأمل كبير أن يبدأ هذا النقد الذاتي من مباراة بوروندي، حتى لا يطول بنا التوهان..