في كل مرة يسوء فيها أداء الفريق الوطني ولا يعطينا ما نحن باحثون عنه من متعة وإقناع ووصل اطمئنان، إلا وننتفض ونغضب ونشرع على الفور في إنتاج أسئلة القلق، لذلك لا يبدو مشهد الفريق الوطني المغمم بالكثير من سحب الخوف والقلق غريبا، ولا حتى هذا الهجوم الشرس الذي يستهدف المدرب والناخب الوطني وحيد خاليلودزيتش يبدو بدعة، فما يبديه المغاربة من ردات فعل غاضبة وأحيانا ثورية على أي هزة تحدث للأسود، ليس له من مبرر ولا شفيع غير الحب الكبير الذي يقرن المغاربة بمنتخبهم الوطني. ومهما كانت دهشة وحيد خاليلودزيتش كبيرة من ثورة المغاربة عليه، بعد الذي كان في مباراتي الأسود هناك بنواكشوط أمام موريتانيا وهنا بالرباط أمام بوروندي، من أداء يجر الكثير من الخيبات ومن المخاوف، وهو الذي جرب حالة الإحتقان هاته عندما كان مدربا لمنتخب الجزائر، إلا أنه يجب أن يقدر الوجع الذي يوجد عليه المغاربة بسبب ما شاهدوه من منتخب كان يفترض أن يواصل رحلة الصعود بعد انتهاء حقبة هيرفي رونار، فإذا به ينحدر إلى مستويات لا أظنها تتطابق مع ممكناته البشرية، تماما كما يفترض في وحيد وقد أكدت على ذلك في زاوية العدد الماضي، أن ينجز نقدا ذاتيا مع نفسه، أن يصارح نفسه بالحقائق مهما كانت مؤلمة، لأنه في النهاية هو من يختار بلا قيد أو شرط ومن دون أي إملاءات، اللاعبين والنهج التكتيكي الذي سيلعب به الأسود، برغم أن ما كان في عهد رونار، أن الفريق الوطني أصبحت له هوية لعب وشخصية نافذة في قارته الإفريقية، واستحق على ذلك أن يعاود الظهور في المونديال بعد غياب دام 18 سنة. كان إذا مفهوما ومستصاغا أن يظهر المغاربة غضبهم من المستويات التي قدمها فريقهم الوطني في مباراتي موريتانيا وبوروندي، إلا أن ذلك لا يمكن أبدا أن يتطور إلى تطرف في إظهار الغضب والمناداة بإقالة المدرب وحيد خاليلودزيتش، وإصدار أحكام قيمة تقول بأنه ليس رجل المرحلة، وبأنه لا يمكن أن ننتظر منه خيرا. لا الحصيلة الرقمية لوحيد خاليلودزيتش تدينه ولا السياقات الزمنية تسمح بمجرد التفكير في الإنفصال عنه، بل إن الحديث عن أنه ليس رجل المرحلة في هذا التوقيت بالذات يعتبر شروعا في الجنون، وأنا هنا لا أترافع عن وحيد، فأنا مثل كل المغاربة لم يرضني ما شاهدته من فريقنا الوطني في مباراتيه الأخيرتين، ولكنني أترافع من أجل مصلحة الفريق الوطني، التي تقتضي أن نتعامل مع اللحظة بكل ما أوتينا من حكمة، وقد قدر لي عبر مساري الإعلامي الطويل وإلتصاقي الكامل بمشهد الفريق الوطني لأربعة عقود، أن أقف على لحظات أسأنا فيها التصرف، لأننا انسقنا وراء غضبنا الجماعي ولم نر ل «الكية» دواء غير إقالة المدرب، والحال أننا كنا بذلك نزرع بذرات الشر التي سنجنيها شوكا بعد ذلك. الفريق الوطني مع وحيد خاليلودزيتش لعب 12 مباراة لم يخسر منها سوى واحدة وقد كانت ودية أمام فهود الغابون، تأهل متصدرا لمجموعته بثاني أعلى رصيد من النقاط بين المتأهلين 24 لنهائيات الكان، وتأهل أيضا بأقوى دفاع (لم يستقبل سوى هدف واحد في 6 مباريات)، فهل نقيله وقد بلغ الهدف الأول الموضوع في عقده وبعلامة الإمتياز الكاملة بلغة الأرقام برغم ما كان عليه الأداء من ارتباك؟ الفريق الوطني الذي تأهل كما كان متوقعا لنهائيات كأس إفريقيا للأمم (لأن غير ذلك كان سيكون كارثة)، لن يحصل بعد الآن على أي فسحة زمنية لإجراء أي محك ودي، لأنه مع نهاية شهر ماي القادم سيدخل مطحنة التصفيات الخاصة بكأس العالم 2022، ولن ينتهي منها إلا وهو مقبل على نهائيات كأس إفريقيا للأمم بالكاميرون شهر يناير القادم، فمن هذا المجنون الذي سيقبل بإقالة وحيد خاليلودزيتش في هذا التوقيت الصعب والشائك؟ بعد أن يبرد فينا الغضب ويضمحل بداخلنا الوجع، سندرك أن كل قرار صنعناه في لحظة غضب لن نجني منه سوى الندم، لذلك وجب أن نتحلى اليوم بالحكمة التي تحيط بأسرار وعجائب كرة القدم، إذ أن لا شيء في كرة القدم منطقي ولا شيء مطلق بل ولا شيء يبقى على حاله، والأمل أن يأتينا من خاليلودزيتش يوم نلاقي صقور الجذيان، ما يقول بأننا بالغنا في الغضب عليه، وما يقول أننا لم نخطئ عندما ربطنا على قلوبنا ولم ننفصل عنه..