إلى أبوظبي عاصمة الإعجاز لإمارات الخير، قادتني دعوة كريمة من اللجنة العليا المنظمة للنسخة الخامسة عشرة لكأس العالم للمنتخبات أقل من 17 سنة لأشهد مع نخبة من كبار النقاد الصحفيين العرب الفاصل الختامي لمونديال الحلم والأمل بمبارياته وبلقاءاته وأيضا بتناظراته التي تجعلنا كعرب نجتمع على مائدة الحوار وننفس بعضا من الكرب المشتركة، فكرتنا العربية تتقمص عالميا الأدوار الثانوية في كل البطولات الكونية، بدليل أننا لم نجد لغاية الأسف أي منتخب عربي في المربع الذهبي والختامي لمونديال الناشئين، وهل هناك ما يبرهن أكثر من هذا على أننا أبعد ما نكون عن المنظومات الكروية الحديثة التي تضع التكوين القاعدي القائم على الخصوصيات الذاتية تم المرجعيات الدولية في طليعة الإهتمامات وأوراش العمل.

تحسر من إلتقيتهم من خبراء للفيفا ومن زملاء إعلاميين أن يكون المنتخب المغربي للناشئين الذي كان واحدا من تحف الدور الأول، قد تعجل الرحيل وهو يخرج من الدور الثمن النهائي على يد منتخب إيفواري لا يملك الجاذبية في الأداء ولا سعة المتخيل التكتيكي والفني الذي يملكه صغار الأسود، والحسرة لا يمكن أن يقابلها الندم على أن هذا المنتخب الذي دخل التاريخ بأن كان أول جيل يصل إلى نهائيات كأس العالم فرط ربما في فرصة قد لا تعوض للذهاب إلى ما هو أبعد من الدور ثمن النهائي، بحكم ما هو مؤهل له فنيا وتكتيكيا على المستويين الفردي والجماعي، لطالما أن الندم الحقيقي هو أن لا نقيم اليوم التقييم الموضوعي لمشاركة المنتخب المغربي في مونديال الناشئين، التقييم الذي يستحضر طريقة العبور أولا للتصفيات الإفريقية الختامية  ويستحضر ثانيا كل ما ساعد صغار الأسود على الإنتماء لمربع الأقوياء إفريقيا والذي فتح أبواب العالمية ويستحضر ثالثا الفلسفة التي قام عليها هذا المنتخب، فلسفة الإستقطاب التي تقول بأن الإعتماد على ما هو كائن هنا بالمغرب لم يكن أبدا ليؤهل منتخب الناشئين إلى اقتطاع تذكرة العبور إلى مونديال الإمارات ولا إلى تقديم الصورة المستحسنة في الدور الأول والتي مكنت ناشئينا من تصدر مجموعتهم بأداء نال إعجاب الكل.

لست بحاجة إذا للقول أنه لم يعد مسموحا أن نستنسخ ذات الأخطاء المرتكبة في السابق والتي صورت على أن الإنجازات التي تتحقق للمنتخبات الوطنية للفئات السنية التي هي دون المنتخب الأول، مجرد نقطة ضائعة في نهر اللامبالاة، مجرد نزوة عابرة ومجرد غيمة لا تمطر في سماء جعلها من هم قائمون على المشهد الكروي حكرا على غيمات الكبار، فمن منا لا يذكر أنه أسيء التعامل مع الإنجاز التاريخي الذي حققه منتخب الشباب عندما فاز سنة 1997 باللقب الإفريقي الأول في تاريخ كرة القدم الوطنية وأكثر منه نجح في تخطي عقبة الدور الأول لمونديال الشباب بماليزيا، ومن ينسى بيننا كيف رمي فى المهملات بمنتخب مغربي حقق الإعجاز بكأس العالم للشباب بهولندا سنة 2004 بوصوله لنصف النهاية وحلوله رابعا، الإساءة إلى الهيكل وإلى روح العمل القاعدي وإلى ما هو من أصل وهوية المنتخبات، فعلى أكتاف هؤلاء الصغار تبنى الأمجاد ومعهم تتحقق متعة الحلم بأعين مفتوحة.

لم يكن تتويج المنتخب النيجيري بلقب كأس العالم للناشئين بالإمارات والذي وضع نجمة التميز الرابعة على صدر الكرة النيجيرية بالمفاجئ لكل من رصد هذه البطولة من بدايتها إلى نهايتها، فقد كان هذا المنتخب برغم كل التحفظات التي أبداها البعض على أعمار لاعبيه لوجود فوارق فيزيولوجية يستحيل معها القياس أحيانا، كان حاملا لبذرات فنية عجيبة، فهو لم يحسم كل المواقع الكروية التي خاضها أمام منتخبات من كل القارات ومن مختلف الطبائع بالسلاح البدني لتمتعه طبيعيا بخصائص فزيولوجية ومورفولوجية تساعده على كسب الرهانات البدنية، ولكنه حسمها بفضل منظومة لعب متقدمة جدا يستحيل أن تكون متطابقة مع عمر هؤلاء اللاعبين، وقد وجدتني على أرضية ملعب محمد بن زايد لنادي الجزيرة بأبوظبي أقف على حقيقة أن هذا المنتخب النيجيري تمثل روح الإبداع الجماعي إلى الحد الذي جعل من كانوا إلى جانبي من خبراء الفيفا يقولون أنه يعكس إلى حد ما جوهر منظومة التيكي تاكا، التي تجعله يلعب بأريحية قل نظيرها وأيضا بنجاعة هجومية ودفاعية ينذر طرازها حتى عند من هم خريجو المدرسة البرازيلية، فالمنتخب النيجيري الذي حقق في طريقه لحصد اللقب بالجدارة والأهلية الكاملتين ستة إنتصارات وتعادلا واحدا، سجل في سبع مباريات 26 هدفا بمعدل يقل قليلا عن أربعة أهداف في المباراة الواحدة ولم يستقبل سوى خمسة أهداف، ثلاثة منها في مباراة الدور الأول التي جمعته بالسويد المحتلة للصف الثالث وانتهت متعادلة.

وعندما نلقي نظرة على المنتخب النيجيري للناشئين، ممن يتشكل وبمن يؤطر وبقيمة ما يرصد له من إمكانيات لوجستيكية وليست مالية كما نتوهم كثيرا، سيذهب عنا العجب إذ سنجد أن نيجيريا دعما للنجاحات التي تتحقق على مستوى الفئات السنية المختلفة ذهبت إلى إحداث أكاديميات داخل الأندية الوازنة وأرفقت ذلك بضوابط صارمة على مستوى التكوين، ما ساعد في النهاية على إبراز ملكات فنية وقدرات فردية خارقة هي اليوم متابعة من كبريات الأندية العالمية، فما خلت مفكرة وكيل أعمال وموفد تقني للأندية العالمية الوازنة والذين يقبلون بكثافة على مثل هذه البطولات لاصطياد العصافير النادرة ما خلت من أسماء لأربعة لاعبين أتوقع شخصيا أن نراهم عن قريب في مسارح العرض الأوروبية الكبيرة، العميد والظهير الأيمن موسى محمد موقع ثالث أهداف نيجيريا في المباراة النهائية أمام المكسيك بطريقة الكبار، السقاء المرعب شيديبيري نواكالي رقم 14 وكليشي غيناشو رقم 10 صاحب اليسرى الساحرة الذي سجل 6 أهداف واحتل وصافة الهدافين ونال جائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب وموسى يحيى رقم 11 موقع أربعة أهداف ولم يكمل بعد السادسة عشرة من عمره.

بالقطع لا يمكن أن نسفه العمل القاعدي الكبير والرائع الذي آمنت به نيجيريا  ليجعل منها قوة دفع كروية في القارة الإفريقية وإحدى المرجعيات العالمية في مجال التكوين، لوجود ذرة شك ولو واحدة في أن يكون هناك تحايل على أعمار اللاعبين، الإشكال الذي لا تمر دورة إلا وتحدث الفيفا نظما طبية لمواجهته، لا يمكن إزاء هذا النجاح الكبير للكرة النيجيرية وهي تحصد أربعة ألقاب للناشئين وتصل للمباراة النهائية سبع مرات وتلعب نهائيين لكأس العالم للشباب سنتي 1989 و 2005 أن نغفل المجهود الكبير الذي يبذل قاعديا على مستوى الجامعة النيجيرية وعلى مستوى الأكاديميات، المجهود الذي يذهب إلى استيراد نمط العمل الإحترافي الذي يجتهد فيه هناك بالقارتين الأوروبية والأمريكية للوصول إلى التكوين القاعدي المتطور ولكنه لا يفرط في خصوصيات البيئة النيجيرية.

هذا بالقطع ما يجب أن نلتفت إليه اليوم لنقيم التمثيلية المغربية الأولى من نوعها في مونديال الناشئين، أن نعترف بأن جل هؤلاء الصغار جلبوا من مراكز تكوين أوروبية ويحتاجون إلى مرافقة دائمة حتى لا يضيعوا منا لوجود لوبيات ضاغطة في دول الإستقبال وأن نقر بأن الحضور في مونديالات الناشئين والشباب قبل الكبار يجب أن يكون من أكبر الأولويات وأن نذهب حالا إلى افتتاح مراكز التكوين دلخل الأندية وإحداث إدارة تقنية وطنية تنزل فلسفة تكوين منفتحة على المنظور العالمي ومتمتعة بهوية مغربية.

ذلك هو خيارنا الوحيد لنرفع الرأس في قارة التحدي والإبداع، فالأحلام لا تطاوع المتقاعسين.      

بدر الدين الإدريسي