أعترف على نفسي، بأنني أمضيت وقتا طويلا لا أتفاعل بما يلزم مع ردود الفعل التي يعبر عنها القراء حيال كل ما تأتي به هذه الزاوية وكل ما تأتي به جريدة «المنتخب» من متابعات وتحاليل عند التعاطي مع المشهد الرياضي الوطني.
أبدا لم يكن ذلك عن سبق عمد، فما كان يربطني وكل خدام هذه الوسيلة الإعلامية التي تفخر اليوم بوصولها لسنتها الثلاثين من وشائج مع القارئ أينما كان، لا تبيح أبدا غض الطرف عن كل ما يأتي به القراء من ملاحظات وتصويبات وأراء لا يمكن بالضرورة أن تتوافق مع منظورنا للأشياء وتحليلنا للظواهر، لذلك وجدت اليوم أن أفسح المجال لقارئ كريم أحترم فيه وفاءه وغيرته، ليقدم رأيا إن نحن لم نشاطره فيه، فهذا بالقطع لا يعني أننا لا نحترم فيه الأصل والمنبع والأمانة الفكرية التي تأسس عليها.
أترككم تطلعون على رسالة القارئ محمد عبد المولى من مراكش، وسأعود لاحقا للتعليق على ما تفصح عنه: 
«أولا السلام عليكم السيد بدر الدين الإدريسي، أنا لست من المهللين و«الكاريين حنكهم» ولا أقوم بالدفاع عن الناخب الوطني الجديد هيرفي رونار لأنه لا يحتاج لذلك، تدخلي نابع من حبي للمنتخب ولعلم بلدي ومن غيرتي على كرتنا التي لا تكاد تخرج الرأس من تحت الماء حتى تجترها جذبات المد من تحت.
وأنا أتفحص جريدة المنتخب الإلكترونية، إندهشت للمقال المعنون بـ «47 هدفا لأسود الدوحة.. ما تعليق رونار»، إندهشت لهذا المقال، لأنه في واقع الأمر ليس نقدا بل مساءلة تتسم بشيء من الحدة، فحسب منظوري الشخصي الصحافة هي شريك فعال في تنمية الرياضة والمساهمة على وجه الخصوص في البناء، بنقدها البناء والتحليل الموضوعي فهي تساهم في هذا البناء، لكن ليس من اختصاصاتها أن تنصب نفسها كقوة اقتراحية، لأنها بذلك تلبس نفسها ثوب التقني وتصبح تسبح في دهاليز القضايا التقنية الدقيقة، التي تتداخل فيها المعايير التقنية والبدنية ومستوى التنافسية.
لو انحصر الموضوع على مساءلة الناحب الوطني عن اختياراته وعن غضه العين عن الممارسين ببطولات الخليج، لمر الأمر بدون ملاحظات، خاصة وأنه أجاب عن هذا التساؤل في برنامج تلفزيوني وكان واضحا وموضوعيا ولو أنه لم يسبق له أن اشتغل هناك.
ومن هذا الباب أطرح بدوري تساؤلا، أين أسامة السعيدي؟ وكم استغرق رجوع يوسف العرابي إلى سابق عهده، ولو أنه لم يبلغ بعد نجاعته وإن كان قد استرجع حسه التهديفي؟ وأين اختفى الحسين خرجة ويونس مختار؟ ولماذا لم يعد يقوى لاعبونا على الاحتراف بأوروبا؟ وهل يتوفر لاعبونا المغتربون بالخليج على نفس الثقافة التكتيكية والتكوين الأكاديمي مقارنة بأشقائهم الممارسين بالقارة العجوز؟
أنا من الذين يؤمنون بالبراغماتية والموضوعية والتحليل العلمي، وأكيد أن الإجابة عن التساؤلات التي طرحت من شأنها أن ترفع اللبس وترجح طريقة اشتغال الناخب الوطني، وحتي وإن استثنينا هذه المعايير أو المعطيات، إذا رجعنا إلى الوراء وبالضبط إلى ثمانينيات القرن الماضي نجد أن بيكنباور أزاح وهو ناخب وطني لمنتخب ألمانيا، أحد أبرز لاعبي الألمان حينها وهو كورت نيدارمايير، وكان ذلك لأسباب رياضية، مؤخرا ورغم المستوى الباهر الذي يظهر به، فالناخب الفرنسي لا ينظر حتى إلى حاتم بن عرفة، والأمثلة من هذا النوع لا تعد ولا تحصى، لكن المهم فوق كل الإعتبارات هو توفير الجو الملائم للإشتغال للناخب ومواكبة اشتغاله حتى يتمكن من الوصول بفكره وفلسفته إلى الجميع، وهذا هو المبتغى والهدف المنشود.
وفي المقام الأخير يبقى الفريق الوطني فوق كل اعتبار، بعيدا عن الحسابات الضيقة التي لا تخدم مصلحته ولا أهدافه، وكما يقال لنوفر جوا إيجابيا «Climat de symbiose» حتى نساهم كل من موقعه في وصول فريقنا الوطني إلى ما يتطلع إليه الجميع.
وفي الختام تحياتي وأسمى عبارات التقدير والإحترام مع متمنياتي لكم بالنجاح في تطوير الرياضة المغربية والرجوع بها إلى سابق عهدها، حيث كانت رائدة على الصعيد القاري.
محمد عبد المولى من مراكش. 
بداية لا نختلف على أننا جميعا نحمل غيرة للفريق الوطني، وإن كان هناك من إختلاف فهو في طريقة التعبير عن هذه الغيرة، وقد ألزمتنا الأمانة الإعلامية التي تقلدناها وهي ثقيلة وجسيمة منذ ثلاثة عقود، بأن نباشر عملية نقدية صريحة لواقع الفريق الوطني ودائما باستحضار هذه الغيرة، والغرض طبعا هو أن ننبه لما يظهر في طريق السير من عوارض ومعطلات منزهين مصلحة هذا الفريق الوطني عما عداها من مصالح.
وأبدا لم نحاول داخل «المنتخب» أن نضع الإملاءات أو أن نقايض الناخبين الوطنيين مهما كانت جنسياتهم، فدورنا الإعلامي يستوجب الإخبار والنقد والتحليل وإبداء الرأي التقني كلما حضرت الأهلية الفكرية والفنية لإبراز مثل هذه الآراء التي لا تلزم الناخب الوطني بأي شيء.
واختلافي مع القارئ الكريم الذي لا يفسد للود قضية، هو أننا في «المنتخب» بحكم المرجعية التاريخية وبحكم التعقب الدقيق للفريق الوطني ولكرة القدم الوطنية على مدى ثلاثة عقود نملك بالفعل هذه القوة الإقتراحية تدفع إلى تخصيب الفكر الرياضي بالنقد والتحليل واقتراح البدائل، وكلما تعلق الأمر بالفريق الوطني أو حتى بالأندية فإن القوة الإقتراحية التي نتمثلها بكل أهلية لا تضيق ولا تنال أبدا من حرية الناخبين الوطنيين ولا المدربين في صناعة قراراتهم.
وإذا كان الناخب الوطني الجديد قد جهر برأيه في كل لاعب مغربي يمارس بالبطولات الخليجية، بالإعتماد على مقاربات تقنية وتكتيكية ورياضية نتفق عليها، فإنه بالتأكيد لم يكن الوحيد الذي يذهب إلى هذه المقارنة، فقد سبقه لها ناخبون آخرون، مع ضرورة التأكيد على أن هناك إستثناءات يجب التعامل معها وفق ما تقتضيه الظروف، فقد يكون لزاما اللجوء للاعب يمارس ببطولة خليجية إن لم يكن هناك لاعب بنفس مواصفاته وفي ذات مركزه بأوروبا، وأذكر بأن الناخب الوطني السابق هنري ميشيل على سبيل المثال لا الحصر، نادى لأول مرة على يوسف شيبو وهو لاعب بصفوف العربي القطري، وكلنا يعرف الطريق التي سار فيها هذا الذي سميته على زمنه بالمحراث الذهبي، وفي نفس الفريق الوطني الرائع الذي تأهل معه هنري ميشيل لكأس العالم بفرنسا سنة 1998، كان الهداف الأسطوري والخرافي صلاح الدين بصير الذي كان وقتها أغنية على شفاه الصغار قبل الكبار يلعب للهلال السعودي قبل أن يطير على إسبانيا ليلعب لديبورتيفو لاكورونيا، وكان سعيد شيبا يلعب للهلال أيضا وكماتشو وأحمد البهجة لاتحاد جدة السعودي، ولم ير ناخب غانا حرجا في المناداة على جياني أسامواه ليكون هداف نجوم غانا السود في مونديال 2010 وهو لاعب بصفوف العين الإماراتي، مع أن لاعبين غانيين كثر غيره كانوا يلعبون لكبريات الأندية الأوروبية.
مؤكد أن هيرفي رونار تحدث بالمطلق عن قناعة راسخة ومدعمة تقنيا عندما فصل بين لاعب يمارس ببطولة أوروبية بإيقاعات جد مرتفعة وبين لاعب يلعب ببطولة خليجية بإيقاعات أقل بفعل الإكراهات المناخية التي نعرفها، لكنه أبدا لم يغلق الباب أمام حالات معزولة واستثنائية قد يلجأ إليها عند الضرورة القصوى، مع الجزم في النهاية أنه هو سيد قراراته.
دعواتنا القلبية للفريق الوطني بمواصلة الصعود إلى المراتب التي هو مؤهل ليكون فيها قاريا، وأبدا لن نحيد عن خط دعمه ومناصرته بالنقد الذي لا يريد إلا إصلاحا ما إستطاع، والله شاهد على ما نقول.