ننظر إلى تتويج أسود الفوت سال باللقب الذي يضعهم لأول مرة في قمة هرم الكرة الإفريقية، على أنه إنجاز غير مسبوق، لا أحد يمكن أن يقول العكس.
نعتبر عودة الفريق الوطني لكرة القدم داخل القاعة من جوهانسبورغ مكللا بالذهب الإفريقي، إشراقة ربيع متبسم بعد مواسم عجاف من الجفاف والإجتفاف لم نر فيها إلا المواجع، بالقطع لا شيء يمنع ذلك.
أن نتحسس عند المجاهرة بالفرح، بدعوى أن هذا التتويج القاري لا يمثل قيمة كروية كبيرة في حد ذاته، وأن نفرمل المشاعر ونروض الأحاسيس لكي لا نبالغ في التهليل بالإنجاز، أو أن ننسب هذا الذي تحقق لأسود الفوتسال بجنوب إفريقيا إلى ضحالة المستويات الإفريقية قياسا بما أصبح عليه هذا الجنس الكروي بقارات العالم الأخرى، فهذا ما أعتبره تقديحا وتبئيسا وتآمرا على النفس.
من حقنا أن نفرح بتتويج أسود القاعة أبطالا لإفريقيا، الفرح الذي تبرره سنوات الإنتظار والإنكسار التي مرت ثقيلة علينا وعلى كرة القدم الوطنية، والفرح الذي يجدد طاقة العمل ويرفع منسوب الحلم ويدفع بقوة إلى رفع الغبن الإعلامي والحكومي عن أجناس رياضية غالبا ما كانت تذهب ضحية جماهيريتها الضعيفة وضحية التعاقد الإنتفاعي والإنتقائي الذي يقوم بين السلطات العمومية وبين الرياضة، فتعيش مبتئسة في جحرها تقاوم الخصاص والبؤس وتدافع عن حقها في الحياة.
الذي يتعمق في قراءة تاريخ كرة القدم داخل القاعة بالمغرب، سيعترف بأن هناك أشخاصا شغفوا بها وحاربوا من أجل أن يصبح هذا الجنس جزء من المنطومة الكروية الوطنية، منهم من أوصدت الأبواب في وجوههم ومنهم من تعرضوا لمؤامرات ومنهم من هجروا بعيدا عن الوطن، وجاء الإنتصار للشغف من توصية مرفوعة إلى الجامعات من طرف الإتحاد الدولي لكرة القدم، تعترف بالرياضة وتضعها بالكامل تحت مسؤولية الجامعات، ومن تم كان الميلاد العسير لكرة القدم داخل القاعة بالمغرب، ضدا على كثير من قوى الشر والتيئيس التي كانت ترى في الفوتسال سطوة معلنة على ضيعات كانت مملكة لهم بغير حق.
وإذا كان الفريق الوطني داخل القاعة قد وصل اليوم إلى غايته بالفوز بكأس إفريقيا للأمم وبأي طريقة؟ فإن لذلك قصة طويلة من التضحيات والنضالات التي لا يمكن البتة التنكر لها، نضالات كان المدرب والإطار المبرز هشام الدكيك صانع الملحمة بجوهانسبورغ من مواليدها بل وشاهدا عليها، وإلا لما كان شغفه وإيمانه والتصاقه بالفوتسال بالصوفية التي نعرفها عنه، ونضالات هي ما مهدت بالتدريج لكل الميلادات الجميلة التي أنهت سنوات من المخاض الموجع والذي يصيب بالوهن.
وعندما نضع مقايسة على السريع بين ظهورنا في النسخ الأولى لكأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة باختلاف الأزمنة وظهورنا في النسخة الخامسة التي ستشهد تتويج منتخبتا الوطني بجوهانسبورغ، سنجد ما يدين بالفضل الكبير للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ولرئيسها السيد فوزي لقجع، بإخضاع هذا الجنس الكروي للمعيار النظامي ليس فقط بإحداث لجنة مركزية ترعاه ولكن أيضا بتقنين وتنظيم بطولة وطنية هي التي أفرزت بغنى التنافس فيها، هذا الفريق الوطني الذي إستحق الوقوف على السطح الإفريقي والتأهل للمونديال لثاني مرة على التوالي، وأيضا بإحاطة الفريق الوطني عند تحضيره للكان وعند مشاركته في النهائيات بكل ما يستحق من عناية.
ولئن كان هناك من يرمي بالضغط على المدرب المقتدر هشام الدكيك وعلى أسود القاعة بمطالبتهم بالتوقيع بكولومبيا شهر شتنبر القادم على مونديال أقوى من مونديال التايلاند، الذي شهد تذيل الفريق الوطني لمجموعته بلا نقاط بعد هزائم ثلاث أمام باناما وإيران وإسبانيا، فإنني أنحاز للرؤية المتبصرة للإطار الدكيك الذي قال بأن السياق العالمي مختلف في المنافسة وفي شراسة الخصوم عن السياق القاري، لما سجلته منتخبات القارات الأخرى من سبق تاريخي في التعاطي مع الفوتسال جعلها تسبقنا بسنوات ضوئية، لذلك سيكون الرهان المستقبلي هو أن يقاتل المغرب من أجل أن يحتفظ بالريادة إفريقيا في القادم من السنوات، وسبيله إلى ذلك هو تمتيع الأندية الممارسة لكرة القدم داخل القاعة باعتبارها الخزان والممون للمنتخبات الوطنية، بما يكفي من إمكانات لوجيستية من أجل أن يتواصل نشاطها، ونشر ثقافة الفوتسال عبر ربوع المملكة بإنشاء قاعات خاصة بهذا الجنس الكروي، وبأن تتبنى الجامعة وبخاصة الإدارة التقنية الوطنية مقاربة جديدة لتسريع وثيرة تكوين الأطر التقنية التي ستسهر وفق كفاءتها ووفق ما ستحصل عليه من تكوين أكاديمي على تكوين النخب.
كيف نستثمر الإنجاز القاري لمنتخب الفوتسال أفقيا وعموديا؟ ذاك هو السؤال الذي يجب أن يحضر بقوة في كل إستراتيجية وطنية لتنمية كرة القدم الوطنية، فما عاد هناك من شيء يسمح بأن تتوجه هذه الإستراتيجية بكل التخطيط ورصد للإمكانات لكرة القدم بالملاعب الكبيرة وتنسى كرة القدم المتنوعة من الفوتسال إلى البيتش سوكر إلى كرة القدم النسوية، ففي قارتنا التي هي جسر عبورنا نحو العالمية ربحت دول ليس لها عشر إمكانياتنا الكثير من المسافات عنا.