وجدت نفسي محاصرا بصغار كبروا بسرعة ونموا حولي وتعلقوا بالكرة من فرط تعلق خالهم أو عمهم بها، وجدت ابن شقيقتي عبد الرحمان الزرايدي ونجل شقيقة زوجتي وليد بوشمة وكلاهما ممن عبروا أسلاك الباكالوريا الناسفة وتخطوها بعلامة التفوق، يسألونني عن المنتخب المغربي والمونديال..
هم صغار في ربيع العمر، هم رعيل لم يتجاوز 17 سنة سنهم من سن آخر حضور للأسود بمونديال فرنسا 1998، لم يملوا النظر بالمنتخب المغربي في حضرة المونديال، وكلما داهمهم الفضول توجهوا لـ «فأرة» حواسيبهم مستعينين بدليل «غوغل» ليعرفهم بتاريخ الكرة المغربية بكأس العالم.
تقمصت مرارا دور الراوي، دور الشيخ ودور الحكواتي لأقدم لهم بعضا من فصول ملاحم الأسود بالمونديال، بل يندهشون من رواياتي ويحسبون مبالغة كبيرة فيما يتناهى لأسماعهم حين أحدثهم عن ملحمة واد الحجارة بمونطيري بالمكسيك، وكيف أن المنتخب المغربي قهر قبل 30 سنة لم يكونوا هم خلالها حتى مجرد فكرة أو مشروع للخروج لهذا الوجود، منتخبات عملاقة من طينة البرطقيز وبولونيا والأنجليز..
وحتى أقربهم من المشهد ولا يحسبون خالهم من أصحاب الكهف أستحضر لهم ذكريات آخر مونديال بفرنسا وهو مونديال من جيلهم وعلى مقاسهم وعمره لا يتعدى 20 سنة بالكاد.
يسألوني لماذا خرج الجمهور المغربي عن بكرة أبيه للإحتفال بعد هذا المونديال رغم إقصائنا من الدور الأول، فأقدم لهم رواية تآمر البرازيل ضدنا وكيف لعبت بوقاحة وبلا شرف ليمر معهم منتخب الفيكينغ النرويجي، فلا يتأخرون في لعن البرازيل والنرويج ويعلنون حقدهم على المنتخبين وينصبوا نيبت ولخلج وبصير وكماتشو أساطير لم يجايلوها.
سئمت بالفعل من حمل كل هذه الروايات لجيل الباكالوريا، سئمت من أن أقدم لهم تاريخ المنتخب المغربي وحصره في الماضي وكأنه لا مضارع له ومستقبله في حكم المجهول.
يعودون لمحاصرتي فيطرحون سؤالا خبيثا «بالله عليك يا خال، كيف هوى نجم  الأسود من أعالي السماء فأصبحوا اليوم حملا وديعا يتيه في صحراء وأدغال القارة تمزقه وحوشها؟» فأرد عليهم أنهم طالما جارت على الأسود كلاب..
لا أجد جوابا شافيا كافيا يقنع أبناء الباكالوريا أن هذا هو القدر وهذه أحكامه وأن الزمن جار عليهم وأن رداءة صناع القرار الذين عبروا من جامعات الكرة لها نصيب في ذلك.
حين أحدثهم عن فتوحات المنتخب المغربي بالمونديال وأقول لهم أنها من صنع لاعبي بطولة ذلك الزمان لا يصدقون حين يخلصون إلى أنها كانت بطولة حافية عارية غير كاسية ولا تسمى كما هو اليوم بالإحترافية.
يتساءلون لماذا لم تعد بطولتنا تنجب مثل هؤلاء، ولماذا جف ضرعها ونضب معينها وأصيب رحمها بالعقم ولم تعد تقدم للفريق الوطني وجها واحدا لائقا أو صالحا للعرض؟
سيد رونار وموسيو لقجع: رجاء هذا جيل الباكالوريا يخاطبكم فيناشدكم، يريد منكم بذل الغالي والنفيس كي يضمن المنتخب المغربي عبوره للمونديال القادم، يناشدون بنعطية والعرابي تأجيل حماية الشيشة حتى حين، يريدون من جيل الأسود الحالي أن يرسخ في ذاكرة أبناء الباكالوريا أنهم تابعوا ذات يوم منتخب بلادهم بين الكبار بالمونديال، لا أن يقوم عمهم وخالهم منعم برواياتها كل مرة ويستحضر معها بنوسطالجيا ملاحم ضاعت في الزحام فينتشون هم وأصاب أنا بالقرحة والإحباط.