فطن ذات يوم الرئيس الأسطوري السابق للإتحاد الدولي لكرة  القدم  البرازيلي جواو هافيلانج إلى أن المستديرة المجنونة ستكون مصدر جلب أموال طائلة، إنتبه إلى أن شعبية هذه اللعبة على الصعيد العالمي  لا بد من استثمارها، فكان أن استغل لأول مرة منافسة كأس العالم وباع حقوق نقل مبارياتها بالملايير، وهي الخطوة التي ذرَت على جهاز الفيفا الأموال الطائلة وأكسبته وزنا آخر على الصعيد الإقتصادي.

الخطوة هاته فتحت شهية الإتحادات العالمية التي وقفت عند فكرة هافلانج واقتفت طريق الفيفا من خلال بيع منافساتها للقنوات التلفزية، وعرفت هذه الخطوة نجاحا كبيرا جعلت من كرة القدم مصدر غنى فاحش لهذه الإتحادات.

طبعا حمى البحث عن الأموال والثراء إنتقلت إلى الأندية أيضا، التي بدأت تبحث عن جلب الأموال بشتى الطرق وتتنافس على المستشهرين وتتعاقد مع أكبر النجوم وأشهر المدربين، فبالإضافة إلى النجاح الكروي باتت الأندية الكبيرة تبحث عن استثمار إسمها ونجومها وسلعتها ليس فقط على الصعيد المحلي بل أيضا على الصعيد العالمي.

الأندية بدأت تتحدث لغة المال، والنجاح في قاموس هذه الأندية تجاوز ما هو رياضي إلى ما هو مالي، ولأن هذا المال مثلما هو مصدر السعادة والنجاح، فإنه قد يكون مصدر التعاسة والفشل وتشويه سمعة النادي أو الشخص.

المال الذي عذَب الكثيرين بقلته أو بكثرته ضرب نحسه أكبر الأندية والأشخاص، وأسقطهم فجأة من برجهم العالي وأفقدهم الكثير من النقاط، المال هذا أدخل برشلونة ورئيسه السابق روسيل قلقا وشكَا كبيرين، بعد الشبهات التي شابت صفقة البرازيلي نيمار وإخفاء الرقم الحقيقي الذي انتقل به من سانطوس البرازيلي إلى الفريق الكطلاني.

روسيل الذي كان يدرك أنه يقود فريقا عالميا ومرجعيا سقط في الفخ، فخ المال الذي غالبا ما يجر صاحبه للفضائح، وفضيحة روسيل تكمن في أنه كذب على عشاق الفريق ومحبيه، كذب على الرأي العام الإسباني وكذب أيضا على المسؤولين الإسبانيين.

المال هذا الذي أصبح مرتبطا بنجاح الأندية جرَ شخصية أخرى تنتمي لبايرن ميونيخ، الفريق الذي يزعزع إسمه  أوروبا والعالم بمرجعيته ونجومه وألقابه واحترافيته، حيث يعتبر النموذج والمثال الذي تسعى كل الأندية لأن تتحدى به.

أولي هونيس رئيس الفريق البافاري وجد نفسه هو الآخر يكتوي بنار المال بعد تهمة التهرب الضريبي، ثلاث سنوات ونصف من السجن النافذ كان هو ما آل له الحكم ضده في انتظار الإستئناف الذي سيتقدم به.

لكن هناك العديد من القواسم التي يشترك فيه الإسباني روسيل والألماني هونيس، فهما يقودان أحد أكبر الأندية في العالم، كما أن سبب سقطتهما هو المال وخروجهما عن النص القانوني الذي يحث على عدم إخفاء الحقائق المالية بالنسبة لروسيل وعدم التهرب من الواجب الضريبي بالنسبة لهونيس.

برأيي الشخصي  فسقوط رئيسي برشلونة والبايرن يبقى أمرا عاديا بعد أن جرت العادة في عصر المال والمادة على كثرة الفضائح المالية سواء ما خفي فيها وما ظهر، لكن القاسم بينهما الذي ما شدني أكثر وأثارني أن الرجلين اختارا الطريق القصير وخرجا بهدوء من جلباب مسؤوليتهما مع فريقيهما، روسيل وبعد أن ثبث تلاعبه بأرقام صفقة نيمار قدم استقالته في ندوة صحفية، نفس الخطوة إتخذها هونيس وهو يعترف بتهربه من الضرائب، عندما قرر التنحي عن منصبه بعد عدة عقود داخل هذا الفريق كلاعب ومسير ناجح.

تنحي الرجلين من منصبها له في رأيي أبعادا كثيرة، أهمها احترامهما لناديهما أولا ولموقعهما ثانيا، روسيل وهونيس بابتعادهما طوعا غلَبا مصلحة النادي ورميا بأنانيتهما جانبا، حيث آثرا ترك الفريق في منآى عن مشاكلهما.

مع الأسف أن رؤساءنا لا يملكون ثقافة الرحيل عند الفشل التقني والتدبيري والمالي، رؤساؤنا يستهويهم كرسي هذه المسؤولية ويغلبون المصلحة الشخصية على مصلحة النادي، ولنا في الكثير من الرؤساء ممن أصروا على البقاء رغم فشلهم وسقوطهم في مستنقع المشاكل التقنية  والتدبيرية والمالية أمثلة كثيرة، هناك دروس مجانية تمر أمام مسيرينا لكن دون أن تثير إنتابههم، فالإخفاق عند من سبقونا في النجاج الكروي يكون في الكثير من  الأحيان درسا مفيدا لمسيرينا، لأن سقطة روسيل وهونيس قابلها موقف إحترافي كبير للرجلين  تمثل في رحيلهما بهدوء تام، موقف يغيب كثيرا عن مسيرينا رغم الفشل الذي أصبح يحيط بكرتنا من كل جانب.